فحمل الحنفية الارتحال من أجل أن ترتفع الشمس؛ فدل على أن قضاء الفائتة لا يجوز في وقت النهي، فاتفق هذا الحديث الخاص في قضاء صلاة الفجر، مع النهي العام في حديث عقبة على النهي عن وقوع الصلاة في أوقات النهي من غير فرق بين فرض ونافلة، وإذا كان ما يقع من الصلاة بعد طلوع الشمس يكون قضاء لوقوعه خارج الوقت، فالفوائت لا تقضى في أوقات النهي (١).
وأما التعليل: فلأن حديث (من نسي صلاة … ) يبيح فعل الصلاة المفروضة في كل وقت، وحديث عقبة يحرم فعل الصلاة مطلقًا في أوقات النهي، ومن طرق الترجيح التي عليها أكثر أهل الأصول: ترجيح ما يفيد المنع على ما يفيد الإباحة، حتى صاغ بعض الفقهاء القاعدة التي تقول: إذا اجتمع الحلال والحرام غَلِّبَ جانبُ الحرامِ.
• ونوقش هذا من أكثر من وجه:
الوجه الأول:
لا نسلم أن الارتحال كان بسبب وقت النهي، لأن النبي ﷺ لم يستيقظ هو وأصحابه إلا حين أصابهم حر الشمس، ولا يوقظهم حرها إلا وقد ارتفعت الشمس، وزال وقت الكراهة، ولأن تعليل الارتحال لقيام النهي عن الصلاة في هذا الوقت إغفال للتعليل المنصوص عليه في الحديث، من قوله ﷺ:(فإن هذا منزل حَضَرَنَا فيه الشيطان) إلى تعليل لم يعلل به النبي ﷺ أمره بالارتحال، وما نُصَّ على تعليله لا سبيل إلى تلمس علته بالاجتهاد، فإنه لا اجتهاد مع النص.
الوجه الثاني:
أن التعارض ليس بين مبيح ومانع، فيقدم المانع، وإنما التعارض بين أمرين: أحدهما موجب ملزم، والآخر مانع حاضر، فيقدم الموجب الملزم على المانع الحاضر؛ لأن فيه احتياطًا للعبادة إبراءً الذمة، ولذلك إذا دخل العشر، ونوى الرجل أن يضحي أمسك عن الأخذ من شعره، فإذا أحرم بنسك، ووجب الأخذ من شعره