للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

• وأجيب عن ذلك بأكثر من جواب:

الجواب الأول:

أن العلماء مختلفون في دلالة الحديث على المراد.

فقيل فيه: (إنهم سألوه الإبراد بالصلاة)، ونسبه ابن رجب إلى جمهور العلماء (١).

وقيل: إنهم إنما شكوا إليه أنهم كانوا يعذبون في الله بمكة في حر الرمضاء قبل الهجرة، وطلبوا منه أن يدعو لهم ويستنصر، فأمرهم بالصبر في الله، ولم يزل شكواهم.

واستدلوا لهذا الفهم، بأدلة منها:

أن ذكر الصلاة لا دليل عليه في اللفظ، وما ورد ليس محفوظًا، فقد تفرد بذلك أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، وخالفه الثوري وشعبة، وسبق التنبيه على ذلك في تخريج الحديث، وأما تفسير أبي إسحاق وشعبة فهو رأي لهما.

(ح-٤٣٨) ولأن البخاري روى من طريق قيس بن أبي حازم عن خباب هذا المعنى صريحًا:

قال: شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون (٢).

وهذا معنى قول خباب فلم يشكنا، أي أعرض عن شكايتهم، ولم يدع لنا ويتعجل رفع البلاء عَنَّا، وأمرهم بالصبر، وأخبرهم بصبر من قبلهم.

ولأن شدة الحر في الحجاز تمنع من مباشرة الجبهة والكف للأرض، بل يكاد يشوي الوجهَ والكفَّ، فلا يتمكن من الطمأنينة في السجود، ويذهب خشوع الصلاة ويتضرر البدن، ويتعرض للمرض، والشريعة لا تأتي بهذا. وقد رجح هذا القول علي


(١) فتح الباري لابن رجب (٣/ ٣٩، ٤٠).
(٢) صحيح البخاري (٦٩٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>