ويحتمل أن يكون الترجيع من النبي ﷺ لأبي محذورة جرى على ما كان من عادته ﷺ في تعليم أصحابه حيث كان يكرر الأمر عليهم، خاصة أن تعليم الأذان لأبي محذورة كان عن طريق التلقين، والتلقين يقتضي التكرار حتى يأتي به على وجهه، فظن أبو محذورة أنه أمره بالترجيع.
وذكر بعضهم أن أبا محذورة كان جَهورِيَّ الصوت، وكان في الجاهلية يجهر بسب رسول الله ﷺ، فلما بلغ إلى الشهادتين استحيا فخفض بهما صوته، فدعاه رسول الله ﷺ وقال: ارجع، وقل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، ومدَّ بهما صَوْتَكَ غيظًا للكفار.
• ورد هذا الاعتراض من وجوه:
الوجه الأول: أن التنوع في الأذان لا يخرج عن التنوع في كثير من العبادات التي جاءت على وجوه كثيرة، كدعاء الاستفتاح، والتشهد في الصلاة، ونحوهما.
الوجه الثاني: أن دفع الترجيع بهذه الاحتمالات لا يصح:
أولًا: لأن الأصل عدمها، واختلاف هذه الاحتمالات مما يؤكد عدم صحتها.
وثانيًا: لأن النبي ﷺ كان يلقنه الأذان حرفًا حرفًا، وقال: اذهب فأذن به.
وثالثًا: أن أبا محذورة قد أذن به في مكة على عهد النبي ﷺ لأَكْثَرَ من عامين في العصر النبوي، فلو كان خطأً لنزل الوحي على النبي ﷺ بتصويبه.
ورابعًا: أن النبي ﷺ قد اطلع على ذلك، فقد جاء النبي ﷺ إلى مكة بعد ذلك في حجة الوداع، وكان أبو محذورة يتولى الأذان بمكة بالصفة التي علمه النبي ﷺ ذلك، ولو كان الترجيع خطأً لأرشده النبي ﷺ إلى الصواب.
وخامسًا: لا يصح القول بأن الترجيع كان عن سوء فهم من أبي محذورة؛ إذ كيف يقبله عموم الصحابة منه، ولم ينكروا عليه؟ فمثل هذا يكون قدحًا في الصحابة ﵃، فقد كان الصحابة يترددون على مكة، واستمر الأذان من أبي محذورة هو وأولاده من دون تغيير، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، بل إن الترجيع قد انتقل من مكة ليؤذن به بعد ذلك بالمدينة، بعد أن ترك بلال الأذان