بالمدينة بعد وفاة النبي ﷺ حتى صار الترجيع عمل أهل المدينة ومكة من لدن الصحابة إلى وقت الإمام مالك، كل ذلك يدل على أن الترجيع كان مقصودًا في الأذان، والله أعلم.
الوجه الثالث: على فرض أن يكون الترجيع فُعِل من أجل إغاظة المشركين، فإن الترجيع لا ينتفي بانتفاء سببه، كالرَّمَلِ في الحج.
الدليل الثاني:
أن حديث أبي محذورة مقدم على حديث عبد الله بن زيد لأسباب منها:
أحدها: أن الترجيع في أذان أبي محذورة، قد اشتمل على زيادة غير منافية فيجب قبولها.
• ويجاب:
بأن النبي ﷺ لم يأمر بلالًا بالترجيع، فدل على جواز الصفتين.
الثانية: أنه متأخر، فحديث أبي محذورة سنةَ ثمانٍ بعد حُنَيْنٍ، وحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر.
• ويجاب:
بأن النبي ﷺ قد رجع إلى المدينة بعد تعليمه لأبي محذورة الترجيع، فكان يؤذَّنُ بين يديه بأذان بلال إلى أن مات ﵊، فلم يكن التأخر ناسخًا.
قيل للإمام أحمد: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد؟ قال: أليس قد رجع النبي ﷺ إلى المدينة، فأقر بلالًا على أذان عبد الله بن زيد؟ (١).
الثالث: أنه كان يؤذن به في المدينة زمن التابعين، وإنما أخذوه عن الصحابة، وعمل أهل المدينة سبب في ترجيح أحد الخبرين على الآخر عند المالكية.
الرابع: ترجيح أحد الخبرين على الآخر لعمل الحرمين، فإنه مظنة الإصابة، حيث كان أصل الترجيع في مكة في العهد النبوي، ثم انتقل إلى المدينة زمن التابعين، فصار عمل الحرمين على الترجيع.
(١) التمهيد (٣/ ١٥)، معونة أولي النهى (١/ ٤٨٣)، الأوسط (٣/ ١٦)، فتح الباري (٢/ ٨٤).