لو كانت الصلاة لا تصح إلا في وقتها لم تُقْضَ خارج وقتها مطلقًا، لا من المعذور، ولا من غير المعذور، كالحج والرمي، والأضحية، تفوت بفوات وقتها من غير فرق بين المعذور وغيره.
فلما صح إيقاع الصلاة خارج وقتها من المعذور، دل على أن قضاء العبادة يَصِحُّ منفكًّا عن الوقت، وصار الوقت بالنسبة للصلاة مختلفًا عن الوقت بالنسبة لعبادة الحج والرمي والأضحية، وصار القضاء مطلوبًا مطلقًا؛ لإمكان فعل العبادة خارج الوقت، والفرق بين المعذور وغير المعذور إنما هو في الإثم، لا في صحة القضاء ووجوبه، واستحقاق الإثم لا يرفع وجوب القضاء كما سيأتي أمثلته لاحقًا إن شاء الله تعالى.
•ورد هذا الاستدلال:
أن الناسي والعامد ضدان، والأضداد لا يقاس بعضها على بعض؛ لأن أحكامهما مختلفة، وإنما يقاس الشبيه والنظير على شبيهه ونظيره.
قال ابن رجب:«وفي هذا الاستدلال نظر؛ فإن المعذور إنما أمره بالقضاء؛ لأنه جعل قضاءه كفارة له، والعامد ليس القضاء كفارة له؛ فإنه عاصٍ تلزمه التوبة من ذنبه بالاتفاق، ولهذا قال الأكثرون: لا كفارة على قاتل العمد، ولا على من حلف يمينًا متعمدًا فيها الكذب؛ لأن الكفارة لا تمحو ذنب هذا»(١).
نعم يصح القياس على النائم والناسي لو كان أمرهما بالقضاء من باب التغليظ، فيصح أن يقال: إن المتعمد أحق منهما بالتغليظ، أما وقد كان أمر النائم والناسي بالقضاء من باب الرفق بهما؛ لأن القلم قد رفع عنهما، لم يصح قياس المتعمد عليهما؛ لأن الرفق لا يليق به.
(١) شرح ابن رجب للبخاري والمسمى فتح الباري (٥/ ١٣٤).