أن ظاهر هذا الحديث لا يقول به حتى الحنابلة والمالكية القائلون بتقسيم الوقت إلى اختيار واضطرار، فالحنابلة والمالكية يرون أن وقت العصر يمتد خارج هذين الوقتين وأن من صلى قبل غروب الشمس فقد صلاها أداء، لا قضاء؛ لوقوع الصلاة في الوقت، فتبين أن مفهوم الحديث غير مراد.
ويبقى النزاع فيمن أوقع الصلاة خارج هذين الوقتين، أيأثم بالتأخير أم لا؟ وليس النزاع أصلاها في وقتها أم لا؟
والأصل أن من صلى الصلاة في وقتها فلا إثم عليه، ومن ادعى أن الإثم والأداء يجتمعان فعليه الدليل.
الوجه الثالث:
قد تبين من السنة أنه يجوز الخروج عن هذين الحدين بلا ضرورة.
فجبريل ﵇ صلى بالنبي ﷺ العصر في اليوم الأول حين كان ظل كل شيء مثله، وصلى به في اليوم الثاني حين كان ظل كل شيء مثليه، وقال: الوقت بين هذين.
فكان الخارج عن المثلين داخل في وقت الضرورة لو كان هذا حدًّا واجبًا.
وقال ﷺ -في حديث عبد الله بن عمرو: وقت العصر ما لم تصفر الشمس.
وهو قدر زائد عن المثلين، فتبين أن المثلين ليس حدًّا واجبًا.
وصلى النبي ﷺ -العصر مختارًا غير معذور في حديث أبي موسى في اليوم الثاني والقائل يقول: قد احمرَّت الشمس.
وهو قدر زائد على المثلين، وعلى الاصفرار، وإذا احمرَّت الشمس فلم يبقَ عليها إلا الغروب.
فتبين أن الحد بالاصفرار أيضًا ليس حدًّا واجبًا، وإلا لكانت صلاة النبي ﷺ -داخلة في وقت الاضطرار الذي حده الحنابلة والمالكية، وتبين أن التوقيت بالاصفرار لبيان الوقت المختار، وأن إيقاع الصلاة فيه مستحب، والخروج عن وقت الاصفرار جائز، وليس حرامًا.