للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الدليل الثالث:

إذا جاز أن يؤدِّي جميع صلاته قاعدًا أو مضطجعًا عند العجز، وجميعها قائمًا عند القدرة، جاز أن يؤدِّي بعضها قاعدًا أو مضطجعًا عند العجز، وبعضها قائمًا عند القدرة، والله أعلم.

لأنه إذا جاز الانتقال والبناء من القيام إلى القعود أو الاضطجاع عند العجز مع أنه انتقال من كمال إلى نقص، فأولى أن يبني إذا صلى عاجزًا ثم قدر؛ لأنه انتقال من نقص إلى كمال، والتعليل بالنقص والكمال جريًا على قواعد الحنفية، وإلا فإن صلاة المعذور قاعدًا أو مضطجعًا لا نقص فيها، وأجره كأجر الصحيح.

ولأن ما مضى من صلاته كان جائزاً على حسب قدرته، فوجب أن لا تبطل بتغير حاله، كما لو قدر على القيام ثم عجز عنه في بعض الصلاة فقعد.

ولأن دخوله في البدل كان مأذونًا له فيه فإذا قدر على المبدل وجب ألا تبطل صلاته (١).

ومثله لو كان لا يحسن القراءة فدخل في الصلاة ثم قدر على القراءة، مثل أن يكون أميًّا، فيدخل في الصلاة ويلقن آية من القرآن لزمه أن يقرأ، ومثله لو كان عاجزًا عن ستر عورته، فاستفتح الصلاة، ثم قدر على السترة في أثنائها، لزمها أن يسترها، ويبني.

دليل من قال: لا تصح مطلقًا:

قاس محمد بن الحسن قوله هذا على قوله في الاقتداء، فعنده أن القائم لا يقتدي بالقاعد، فكذا لا يبني في حق نفسه، وعندهما -يعني: أبا حنفية وأبا يوسف- القائم يقتدي بالقاعد إذا كان القاعد يركع ويسجد، فكذلك يبني في حق نفسه (٢).

وعلل المنع بقوله: إن حال القائم أقوى من حال القاعد، فلا يجوز بناء القوي على الضعيف، فكذلك في البناء في حق نفسه، فإنه إذا افتتح الصلاة قاعدًا لم يبن؛ لأن القوي لا يبنى على الضعيف.


(١) انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف (١/ ٢٩٤).
(٢) جاء في النهاية شرح الهداية (٣/ ٤٥): «إذا كان الإمام قاعدًا يركع ويسجد فاقتدى به من يصلي قائمًا بركوع وسجود جاز في قولهما استحسانًا، وفي القياس لا يجوز، وهو قول محمد».

<<  <  ج: ص:  >  >>