إذا لم يجمع مكثًا، كما لو كان لا يدري أيسافر اليوم أو غدًا متى انتهت حاجته، بخلاف المسافر إذا أجمع على الإقامة مدة معينة، فهذا يقطع حكم سفره، ويلحقه بالمقيم، والله أعلم.
ويناقش من وجهين:
الوجه الأول:
لا يحفظ نص مرفوع عن النبي ﷺ في التفريق بين المسافر إذا أجمع مكثًا أو أو لم يجمع، فالنبي ﷺ قصر في حجة الوداع، وقد أجمع على الإقامة فيها أربعة أيام، وقيل: عشرة أيام على افتراض أن إقامته في المشاعر إقامة واحدة، وقصر في إقامته في تبوك عشرين يومًا ولم يجمع على إقامة، فدل على أنه لا فرق.
الوجه الثاني:
إبطال حكم القصر بالإقامة في أثناء السفر حكم وضعي، فلو كانت الإقامة في السفر تبطل حكم القصر لأبطلته من حيث كونها إقامة، لا بالنظر إلى سببها، فكما أن السفر لا ينظر إلى سببه في حكم القصر، فيقصر سواء أنشأ السفر لقربة أو لمباح، بل ولو أنشأه لمعصية على الصحيح؛ لأن الحكم معلق بالسفر، لا بسببه، فكذلك الحكم في الإقامة في أثناء السفر، فإذا صح الترخص للمسافر مع الإقامة تسعة عشر يومًا دل ذلك على أن الشارع لم ينظر إلى سبب الإقامة؛ وإنما إلى بقاء نية السفر، ومفارقة بلده، فلا يقطع السفر إلا حيث تنقطع نيته، وهي تنقطع بأحد أمرين: نية الاستيطان بتغيير محل الإقامة، أو الرجوع إلى بلده.
الدليل الثاني:
(ح-٣٤٨٩) ما رواه البخاري في صحيحه من طريق أبي شهاب، عبد الله، قال: أخبرنا عاصم، عن عكرمة،
عن ابن عباس ﵄ قال: أقام النبي ﷺ بمكة تسعة عشر يومًا يصلي ركعتين (١).