وقيل: يقصر مطلقًا، ولو أقام سنوات، بشرط أن يُحْتَمل انقضاؤها في مدة القصر.
وقيل: يقصر مطلقًا إذا كان لا يعلم متى تنقضي حاجته، ولو علم أنها لا تنقضي قريبًا.
وقيل: يقصر إلى ثمانية عشر يومًا، ثم يتم.
سبب الخلاف:
تسوية كثير من الفقهاء في الحكم بين المقيم في بلده وفي بيته، وبين المقيم في أثناء سفره، مما حملهم على القول بأن الأصل الإتمام إذا أقام في أثناء سفره، وحين وقفوا على النصوص التي تنقل أن النبي ﷺ كان يقصر في أثناء إقامته في سفره، حاولوا تأويلها بالقول بأن النبي ﷺ قصر فيها؛ لأنه لم يجمع على الإقامة فيها، وحين وجدوا بعض النصوص لا تحتمل مثل هذا التأويل، وأن النبي ﷺ كان قد أجمع على الإقامة مدة معلومة كما في حجة الوداع ذهبوا إلى تخصيص القصر في حدود هذه الإقامة، ومنعوا من القصر فيما زاد عليها، وكل هذه القيود ليست منصوصة من الشارع، فلم ينقل عن النبي ﷺ أن هذا الفعل منه هو منتهى ما يقصر فيه المسافر إذا عزم على الإقامة مدة معلومة، ولم يبين النبي ﷺ أنه قصر في فتح مكة؛ لأنه لم يعزم على الإقامة، ولا أنه قصر في تبوك؛ لأنه في انتظار حرب قد تطول مع العدو، فكل هذه العلل إنما ادعيت للخروج من التزام ظاهر هذه النصوص المطلقة والعامة؛ لاعتقادهم بأن القصر للمسافر أثناء إقامته ممنوع، ولتسويتهم بين إقامة المسافر في بلده وبين إقامته في أثناء سفره، وقد دلت النصوص على الفرق بينهما، والنصوص المطلقة والعامة باقية على عمومها وإطلاقها، لا يقيدها، ولا يخصصها إلا نصوص مثلها، أو إجماع، أو قول صحابي لا مخالف له، وبالرجوع إلى فهم الصحابة رضوان الله عليهم نجدهم مختلفين، فنلتزم ظواهر النصوص؛ لأن الأصل التزام ظاهر النص إلا لدليل، والله أعلم.