لا يصح الاعتراض على الحديث بأنه ورد في النصوص نهي المرأة عن السفر يومين وفي رواية: ثلاثة بلا محرم؛ لأنه إذا صح إطلاق السفر على اليوم التام فمن باب أولى إطلاق السفر على ما زاد عليه.
مفهوم حديث:(لا تسافر المرأة ثلاثة أيام أو يومين) يدل على جواز السفر فيما دون ذلك، والاحتجاج بالمفهوم ليس حجة عند الحنفية مطلقًا، وليس حجة عند الجمهور إذا عارض المنطوق، وقد عارض منطوق رواية الصحيحين:(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة)، فالمنطوق مقدم على المفهوم.
ما جاء من التحديد بالبريد له علتان: إحداهما: تفرد سهيل بن أبي صالح عن سعيد المقبري بهذا اللفظ، وليس له من الرواية عن سعيد إلا هذا الحديث. والعلة الثانية: مخالفته للإمام مالك وابن أبي ذئب، والليث بن سعد، ويحيى بن أبي كثير، حيث رووه عن سعيد المقبري، وقيدوا السفر باليوم، وكل واحدٍ منهم مقدم على سهيل.
صح عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا: تقصر الصلاة في اليوم التام، زاد ابن عباس: ولا تقصر فيما دون ذلك، وهذا من حد السفر بالزمن، وهو موافق لحديث أبي هريرة في الصحيحين، وقد قال به الإمام مالك وأحمد، وهو يخصص مطلق الضرب في الأرض المذكور في القرآن.
قال الأوزاعي: عامة الفقهاء يقولون مسيرة يوم تام، وبهذا نأخذ.
تقدير السير بالمسافة راجع إلى تقدير السير بالزمن؛ لأن العرب تعرف المسافة بمقدار الزمن الذي تسيره به الإبل المحملة، وقد قدر ابن تيمية والنووي البريد بمسيرة نصف يوم، وهو من تقدير المسافة بالزمن.
وأما حدُّ السفر بالمسافة، فصح عن ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أنهما يقصران ويفطران في أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخًا.
ما روي عنهما مما يخالفه إما منكر؛ لأنه من رواية الضعيف، وإما شاذ؛ لأنه من رواية أهل الكوفة عن ابن عمر، ولا يقدم على رواية أهل المدينة عنه،