للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فيه تكليف ومشقة، بخلاف المنهيات فإن المطلوب فيها مجرد الترك، وهو أسهل.

ومع ذلك صح أمر الطفل في باب المأمورات،

فقد قال عمر بن أبي سلمة كما في الحديث المتفق عليه: كنت غلامًا في حجر رسول الله ، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله : يا غلام، سَمِّ الله تعالى، وكلْ بيمينك، وكلْ مما يليك. قال عمر: فما زالت تلك طعمتي بعد (١).

فإذا أمر الصغير بآداب الطعام، فلأن يؤمر بالصلاة، والتي هي آكد أركان الإسلام العملية من باب أولى فأولى، ولكن القول بأن الأمر للولي على سبيل الحتم والإلزام لم يتبين لي.

وإذا كان الرجوع إلى دلالة صيغة الأمر، وأن الأصل فيها الوجوب فهذا ظاهر، وهو ما حمل الشافعية والحنابلة إلى القول بالوجوب إلا أن النزاع في دلالة الصيغة فيها خلاف قوي، فهناك من يرى أن المتيقن هو الاستحباب، ولا يصار إلى الوجوب إلا بقرينة، ويستدل بأن هناك أوامر شرعية تحمل على الاستحباب، ولا يعلم لها صارف عن الوجوب.

وهناك من العلماء من يرى أن دلالة الأمر مشتركة بين الوجوب والاستحباب، ولا يصار لأحدهما إلا بقرينة.

ومع أني أميل إلى القول بأن الأصل في الأمر الوجوب إلا أن الفقهاء الذين يقولون بهذا يتساهلون في الصارف، فيصرفون الأمر عن الوجوب لأدنى صارف، وربما صرفوه بدلالة معنوية، كأن يكون الأمر يتعلق بالآداب، أو من جهة الصحة، كحديث: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فلْيغمسْه.

فلا يوجد قرينة صارفة لهذا الأمر عن الوجوب إلا أن الأمر يتعلق بالإرشاد، وهي قرينة معنوية، فإذا جئنا للحديث: مروا أبناءكم للصلاة لسبعٍ.

فالغاية من الأمر هو امتثال المأمور، وصيغة الأمر وسيلة إليه.


(١) أخرجه البخاري (٥٣٧٦)، ومسلم (٢٠٢٢)، من طريق الوليد بن كثير،
ورواه البخاري (٥٣٧٧) ومسلم (٥٣١٨) من طريق محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي، كلاهما عن وهب بن كيسان، عن عمر بن أبي سلمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>