ويدع الصحابة، والفارق كبير جدًّا، فالتابعي يحتج له، والصحابي يحتج به.
وقول نافع:(كانت أمراؤنا إذا كانت ليلة مطيرة … )، ظاهره أن نافعًا كان يصلي مع ابن عمر خلفهم؛ لأنه يحكي عن أمرائه، لا أمراء من سبقه، ومن روى عنه نافع من الصحابة ثلاثة عدا ابن عمر، فكيف يقال: إن هذا هو مذهب جميع الصحابة؛ لأنهم لم ينكروا عليهم، فقد روى نافع عن أبي هريرة (ت: ٥٨ هـ) وأبي سعيد الخدري (ت: ٦٤)، ورافع بن خديج (ت: ٧٤ هـ)، فلو أن أحدًا من هؤلاء الثلاثة كان يصلي مع ابن عمر، أترى الراوي يقتصر على ابن عمر، ويذهب يستشهد بسعيد بن المسيب، وعروة، وأبي بكر بن الحارث، ويدع الصحابة، وإذا كانوا لم ينقلوا الجمع عن سليمان بن يسار، ولا عن خارجة بن زيد، ولا عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وهؤلاء من الفقهاء السبعة، ومعاصرون لابن المسيب وعروة، وأبي بكر بن الحارث، بل نقل عن القاسم أنه كان يصلي الفرض في بيته ثم يصلي معهم لتأخيرهم الصلاة عن وقتها، فكيف يصح القول بأن الصحابة جميعهم كانوا يجمعون، ولا ينكرون الجمع، وإذا كان القاسم بن محمد لا يقدر أن ينكر عليهم تأخيرهم الصلاة عن وقتها، كما سيأتي، فكيف يقدر أحد على إنكار الجمع.
وأمراء المدينة ممن كان يعتد بفقههم ونقل عنهم الجمع بالاسم: ثلاثة: أبان ابن عثمان، وعمر بن عبد العزيز، ولم يدرك ابن عمر إمارتهما؛ لأن ابن عمر توفي (سنة: ٧٣ هـ) وتولى (أبان بن عثمان) الإمارة (سنة: ٧٥ هـ) في خلافة عبد الملك ابن مروان، وظل سبع سنوات حتى عزله عبد الملك (سنة: ٨٢ هـ).
وتولى عمر بن عبد العزيز إمرته على المدينة (سنة: ٨٧ هـ).
فكان الجمع المنقول في آخر حياة ابن عمر أي قبل عام ثلاث وسبعين من الهجرة، وكانت إمرة الحجاز ومنها المدينة في ذلك الحين متقلبة في تلك الفترة تارة تذهب للأمويين، فيعين الأمير من قبلهم، وتارة تذهب لابن الزبير، فيكون الأمير من قبله، وربما تقلد الإمارة في الشهر الواحد أكثر من أمير، وكان ابن عمر حريصًا أن ينأى بنفسه عن هذه الخلافات، ولا يظهر منه أي مخالفة للأمراء، سواء أكان مكلفًا بالإمارة من قبل الأمويين أم من قبل ابن الزبير، وكان غالب هؤلاء