للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر (١).

وهذا الحديث في بيان إدراك الوقت.

والحديثان لهما منطوق ومفهوم.

فمنطوق الحديث: إدراك الصلاة بإدراك الركعة.

ومفهومه: أن من أدرك أقل من ركعة من الصلاة لم يدرك الصلاة.

ومنطوق الحديث الثاني: إدراك وقت العصر بإدراك ركعة منه قبل أن تغرب الشمس.

ومفهومه: أن من أدرك من الوقت أقل من ركعة فقد فاته الوقت، والاحتجاج بالمفهوم خاصة مفهوم الشرط عليه أكثر الأصوليين، ولو كان إدراك أقل من ركعة بمنزلة الركعة لم يكن لتخصيص الركعة معنى.

ولكنَّ الحديثين لم يكشفا عن الحكم في حال عدم إدراك الجمعة مثلًا، بماذا ينوي المسبوق، لو أنه دخل معه في التشهد، أيدخل معه بنية الجمعة، ثم يبني عليها الظهر، أم يدخل معه بنية الظهر، حتى لو اختلفت نية المأموم عن نية إمامه عند من يشترط عدم الاختلاف على الإمام في النية، وهم الجمهور، أم يستقبل الظهر، وتكون صلاته مع الإمام إما نافلة أو باطلة؛ لأن الظهر لا تصح خلف من يؤدي الجمعة؛ لاختلاف النيتين؟

وكل هذه أقوال قيلت في المسألة، والموضع محل اجتهاد، ولا نصوص قاطعة تحسم الأمر، وإذا كانت المسألة خلافية فلا تلزم المخالف.

فذهب الحنابلة في المشهور: أن المسبوق في الجمعة إذا أدرك الإمام بالتشهد، فإن دخل بنية الظهر صحت ظهرًا، إن كان الظهر قد دخل وقته، وإلا كانت نافلة، اختار ذلك الخرقي، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، وأحد الوجهين في مذهب الشافعية (٢).


(١) صحيح البخاري (٥٧٩)، ومسلم (٦٠٨).
(٢) فتح العزيز (٤/ ٥٥٣)، المجموع (٤/ ٥٥٦)، روضة الطالبين (٢/ ١٢)، حلية العلماء للقفال (٢/ ٢٧٣)، الفروع (٣/ ١٤٧)، دقائق أولي النهى (١/ ٣١٤)، معونة أولي النهى (٢/ ٤٧٤).
وقال المرداوي في تصحيح الفروع (٣/ ١٤٨): «الصحيح من المذهب أنه يتمها ظهرًا،
إن كان قد نوى الظهر، وإلا استأنفها».
وقال ابن قدامة في المغني (٢/ ٢٣٥): «وكل من أدرك مع الإمام ما لا يتم به جمعة، فإنه في قول الخرقي ينوي ظهرًا، فإن نوى جمعة لم تصح في ظاهر كلامه؛ لأنه اشترط للبناء على ما أدرك أن يكون قد دخل بنية الظهر، فمفهومه أنه إذا دخل بنية الجمعة لم يبن عليها.
وكلام أحمد، في رواية صالح وابن منصور، يحتمل هذا؛ لقوله في من أحرم، ثم زحم عن الركوع والسجود حتى سلم إمامه، قال: يستقبل ظهرًا أربعًا،
فيحتمل أنه أراد: أنه يستأنف الصلاة، وذلك لأن الظهر لا تتأدى بنية الجمعة ابتداء، فكذلك دوامًا، كالظهر مع العصر.
وقال أبو إسحاق بن شاقلا: ينوي جمعة؛ لئلا يخالف نية إمامه، ثم يبني عليها ظهرًا أربعًا. وهذا ظاهر قول قتادة، وأيوب، ويونس، والشافعي؛ لأنهم قالوا في الذي أحرم مع الإمام بالجمعة، ثم زحم عن السجود حتى سلم الإمام: أتمها أربعًا، فجوزوا له إتمامها ظهرًا، مع كونه إنما أحرم بالجمعة».

<<  <  ج: ص:  >  >>