ومن قال من الفقهاء كالشافعية: يجذب أحدًا من الصف، فليس المقصود التعبد بالجذب كوسيلة لطلب المصافة، وإنما المقصود التوصل إلى الاصطفاف بطلب المصافة، سواء أكان ذلك بجذب أحد من الصف، أو تنبيهه بالكلام أو بالإشارة، أو بأي وسيلة تؤدي إلى الغرض المقصود دون أن يؤدي ذلك إلى التشويش على المأموم، وبهذا نعرف أن من رد الجذب بحجة التشويش، أن هذا التعليل مدفوع.
دليل من قال: يباح الجذب:
الاصطفاف إذا كان يتعلق بانتقال الشخص من الصف إلى الصف الذي يليه كان حكمه حكم الحركة في الصلاة لحاجة، وهي مباحة، فيكون الاصطفاف مباحًا، ولماذا لا يكون الفعل مستحبًا إذًا؛ لأن فيه تحصيلًا لمستحب؟
يمكن أن يقولوا: الاستحباب يتعلق بفعل الشخص نفسه، لا بفعل غيره، فإذا توقف الاستحباب على طلب الاصطفاف من الصف المكتمل لم نقدر على القول باستحباب الاصطفاف، ولم نمنعه، وهو يتوقف على حركة مباحة، فكان الحكم الجواز، وهو مقتضى قياس قول أبي حنيفة بأن كل مكلف لا يكون قادرًا بنفسه على القيام بالواجب فإنه يسقط عنه، ولا عبرة بالقدرة عن طريق غيره، فالمرء لا يكلف بقدرة غيره، فيسقط أبو حنيفة صلاة الجماعة عن الأعمى إذا كان لا يقدر بنفسه للوصول إلى المسجد، ولو كان له قائد، ويسقط الحج عن الأعمى للعلة نفسها.
الراجح:
أن المنفرد إذا جاء، والصف مكتمل، فله أحد أمرين:
إما الصلاة بجانب الإمام إن أمكن، وهذا خير الأمرين؛ لوجود الدلالة عليه من السنة.
أو طلب المصافة من الصف.
فإن امتنع المأموم من التأخر، ولم يمكنه الصلاة بجانب الإمام، فقد تحقق العجز، فسقط، وصار شأنه كالمرأة خلف الرجال، ولا يتحقق العجز بمجرد اكتمال الصف، خاصة أن حديث وابصة مطلق، ليس فيه قيد وجود فرجة في الصف، وكذلك القول في حديث علي بن شيبان، والله أعلم.