قال الشافعي ﵀ كما في الرسالة (ص: ٢٨١): «العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد». فكيف إذا عرفت أن رواية ابن جريج معلولة بغير المخالفة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى عند ذكر حجة من حكم بضعفها، انظر: الحجة الرابعة. الجواب الثاني: احتجاج ابن حجر بأن هذه الزيادة ليست منافية، فيقال: ليس من شرط رد الزيادة أن تكون منافية؛ فإن هذا الشرط وضعه جمهور الأصوليين المتأثرين بعلم الكلام، البعيدين كل البعد عن الممارسة والتطبيق في تصحيح الأحاديث، وتضعيفها، وبيان عللها، وتأثر كثير من طلبة العلم بمنهج الأصوليين، وأصبح منهج جمهور المحدثين غير معمول به عند كثير من طلبة العلم، وليست هذه هي الجناية الوحيدة من الأصوليين على مصطلح الحديث، فقد أقحموا مباحث كثيرة، ونشروا آراءً لم تكن معروفة عند أهل الحديث، وليس هذا مجال بحثها. فأهل الحديث لا يشترطون في رد الزيادة أن تكون منافية، والحافظ ابن حجر ﵀ قرر في نخبة الفكر رأي الأصوليين واعتمده، فانتشر هذا الرأي بسبب انتشار النخبة، لكن الحافظ نفسه ضعف ما رجحه في النخبة في كتابه القيم النكت على مقدمة ابن الصلاح، ورد عليه في كلام طويل نقلت كثيرًا منه في مقدمة كتابي موسوعة أحكام الطهارة الطبعة الثانية، فارجع إليه، فقد أغنى ذلك عن إعادته هنا. وخالفهم بعض أهل العلم، فرجحوا رواية الجماعة، من ذلك ابن الجوزي في التحقيق (١/ ٤٨١)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (١/ ٤٠٩)، وفي أحكام القرآن (١/ ٢٠٦)، والزيلعي في نصب الراية (٢/ ٥٣). قال ابن الجوزي في التحقيق (١/ ٤٨١): «هذه قضية عين فيحتمل أن يكون معاذ يصلي مع رسول الله ﷺ نافلة. فإن قالوا: فقد جاء في الحديث: (فيكون له تطوعًا). قلنا: هذا ظن من الراوي». ولم يتعقبه ابن عبد الهادي في التنقيح (٢/ ٤٨٤). وقال ابن رجب كما في شرح البخاري (٦/ ٢٤٥): «ولعل هذا مدرج من قول ابن جريج. والله أعلم». وعندي أن رواية ابن جريج ليست محفوظة؛ للحجج التالية: الحجة الأول: خالف ابن جريج سفيان بن عيينة، وقد قال الإمام أحمد في رواية الأثرم كما في شرح علل الترمذي (٢/ ٦٨٤): «أعلم الناس بعمرو بن دينار: ابن عيينة، ما أعلم أحدًا أعلم به من ابن عيينة. قيل له: كان ابن عيينة صغيرًا. قال: وإن كان صغيرًا، فقد يكون صغيرًا كيسًا ..... وقال عباس الدوري: سألت يحيى بن معين عن حديث شعبة، عن عمرو بن دينار، والثوري، عن عمرو بن دينار، وابن عيينة عن عمرو بن دينار. قال سفيان بن عيينة: أعلمهم بحديث عمرو بن دينار، وهو أعلم بعمرو بن دينار من حماد بن زيد». =