المقارنة مكروهة مع أنها تنافي المتابعة المستفادة من قوله ﷺ:(إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا)، فإن مقتضى المتابعة: أن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن ابتداء فعل الإمام، فلا يسبقه، ولا يقارنه، بل يقع فعله بعد فعله، وهو منطوق حديث البراء في الصحيحين:(كان رسول الله ﷺ إذا قال: سمع الله لمن حمده، لم يَحْنِ أحد منا ظهره، حتى يقع النبي ﷺ ساجدًا، ثم نقع سجودًا بعده)(١).
وإذا كانت المتابعة بهذا التوصيف واجبة للأمر بها، فإذا قارنه فقد ترك واجبًا، فكيف تكون مكروهة.
ورد هذا النقاش:
دفع الشافعية هذا بقولهم: إن المتابعة منها ما هو متابعة كاملة، ومنه ما هو متابعة واجبة.
فالمتابعة الواجبة: بأن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن ابتداء فعل الإمام، ويتقدم انتهاء فعل الإمام على فراغ فعل المأموم.
والمتابعة الكاملة: أن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن جميع حركة الإمام فلا يشرع حتى يصل الإمام لحقيقة المنتقل إليه.
فمقارنة المأموم لإمامه تنافي المتابعة الكاملة، فيكون مرتكبًا للمكروه ويكون متابعًا المتابعة الواجبة، كما أن المصلي مأمور بالصلاة، لا في أرض مغصوبة، فإذا أوقعها في الدار المغصوبة فقد أتى بالصلاة، لا على الوجه المأمور به، وهي صحيحة، فتكون مسألتنا كذلك: أي فيكون متابعًا، وإن ارتكب المكروه.
أو يقال: ما ذكره من وجوب المتابعة باعتبار الجملة، وهو الحكم على المجموع من أحوال المتابعة، لا حكم على كل فرد فرد. ولا شك أن المتابعة في كلها واجبة، والتقدم بجميعها يبطل بلا خلاف، والحكم ثانيًا بأنه لا يضر إنما ذكره للحكم من حيث الأفراد، والحكم على الكل غير الحكم على الأفراد، وهذا كقول الشيخ في التنبيه: من السنن: الطهارة ثلاثًا ثلاثًا، مع أن الأولى واجبة، وإنما