للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

غير مأمور، وقد رجحت في المسألة: أن مسابقة الإمام محرمة، وكونها محرمة لا تقتضي البطلان، فإذا ركع قبل إمامه فأدركه الإمام في الركوع بمقدار الفرض صحت صلاته مع تحريم الفعل، وليس في الأدلة ما يقتضي فساد صلاة المأموم، بله ولا فساد الركعة، بله ولا فساد الركوع، ولو قيل: إذا كثرت مسابقة المأموم لإمامه متعمدًا بطل اقتداؤه به، ولم يحصل له أجر الجماعة، لأن الاقتداء واجب للصلاة، وليس واجبًا فيها، فالإخلال به لا يعود على صحة صلاة المأموم بالبطلان، فلو كان يصلي منفردًا لصحت صلاته قولًا واحدًا، لقيام شروطها وأركانها، وإنما الذي فسد ارتباط صلاة المأموم بصلاة إمامه، وتحمل الإمام عنه القراءة والسهو، ويأثم على هذا الفعل، ولا يعود ذلك على بطلان الصلاة بالكلية؛ لو قيل بهذا ربما كان له وجه، خاصة أن هناك من الفقهاء من يبيح للمأموم أن ينوي الانفراد عن الإمام مطلقًا، ولو من غير عذر، وهو مذهب الشافعية، ورواية عن أحمد (١).

ومنهم من يبيحه للحاجة، كما لو حصر ببول، أو كان الإمام يطيل الصلاة إطالة تخالف السنة، أو كان الاقتداء يفوت غرضًا للمأموم، فما المانع أن يكون هذا الفعل من المأموم يحرمه أجر الجماعة، ولا يبطل صلاته، هذا إنما يقال لو أن أحد من السلف قال به، وإذ لم يقل به أحد فلا يعبأ به، وقد قال بعض الفقهاء إذا سبق إمامه بتكبيرة الإحرام يكون شرع في صلاة نفسه منفردًا، ولا تبطل التحريمة، وهو قول في مذهب الحنفية، واختاره بعض المالكية، وهذا أقبح من مسألتنا، والله أعلم.


(١) قال الشيرازي في المهذب (١/ ١٨٣): «وإن نوى المأموم مفارقة الإمام، وأتم لنفسه، فإن كان لعذر لم تبطل صلاته .... وإن كان لغير عذر ففيه قولان:
أحدهما تبطل لأنهما صلاتان مختلفتان في الحكم، فلا يجوز أن ينتقل من إحداهما إلى الأخرى من غير عذر، كالظهر والعصر.
والثاني: يجوز، وهو الأصح؛ لأن الجماعة فضيلة، فكان له تركها كما لو صلى بعض صلاة النفل قائمًا ثم قعد».

<<  <  ج: ص:  >  >>