للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

شيء منها هذه القيود.

قلنا: الكفر على قسمين: قسم تُبنى عليه أحكام الدنيا من تحريم المناكح والذبائح، ومنع التوارث والعقل، وحلِّ الدم والمال وغير ذلك، فهذا إنما يثبت إذا ظهر لنا كفره، إما بقول يوجب الكفر، أو عملٍ مثل السجود للصنم وإلى غير القبلة، والامتناع عن الصلاة، وشبه ذلك.

فهذا النوع لا نرتِّبه على تارك الصلاة حتى نتحقَّق امتناعه الذي هو الترك، لجواز أن يكون قد نوى القضاء فيما بعد -يقصد: أنه أخرها ولم يتركها- أو له عذر وشبه ذلك.

والثاني: ما يتعلق بأحكام الآخرة، من الانحياز عن أمة محمد، واللَّحاق بأهل الكفر، ونحو ذلك فهذا قد يجري على كثير ممن يدعي الإسلام. وهم المنافقون الذين أمرُهم بالكتاب والسنة معلوم، فمن لم يصلِّ، ولم ينو أن يصلِّي قطُّ (١)، ومات على ذلك من غير توبة فهذا تارك الصلاة، مندرجٌ في عموم الأحاديث؛ وإن لم يظهر في الدنيا حكمُ كفره.

ومن قال من أصحابنا: لا يُحكَم بكفره إلا بعد الدعاء والامتناع، فينبغي أن يُحمَل قولُه على الكفر الظاهر. فأما كفر المنافقين فلا يجوز أن يُشترَط له ذلك، فإنَّ أحمد وسائر أصحابنا لم يشترطوا لحقيقة الكفر هذا الشرط» (٢).

فواضح أن ابن تيمية يرى أن تارك الصلاة كافر ظاهرًا وباطنًا، وهذا في حق من دعي وامتنع عن الصلاة:

وكافر باطنًا، ومسلم ظاهرًا قبل ذلك، بحيث يعامل معاملة المنافقين، فيعطى أحكام الإسلام، والله أعلم.


(١) قول شيخ الإسلام: «لم يصلِّ قط، ولم ينو أن يصلي قط» رجوع منه عن كلامه السابق، أن من يصلي أحيانًا ويترك أحيانًا فهو كافر باطنًا مسلم ظاهرًا.
ثانيًا: من أين لنا أن نعرف أنه لم ينو أن يصلي قط، فهذه النية عمل قلبي، لا يعرف إلا من جهة الفاعل، فلا بد من تصريحه بذلك، أو أن يدعوه قاض إلى فعلها فيمتنع.
(٢) شرح عمدة الفقه لابن تيمية، ط عطاءات العلم (٢/ ٩١، ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>