وإنما ترك المحافظة على شرطها، وهو أداؤها في الوقت، فالأئمة الذين قالوا بقتله أو بكفره، لا يقولون بذلك إذا أخرها عن وقتها، وإنما يختلفون فيما بينهم في وجوب القضاء عليه:
فقيل: يجب القضاء، وهو قول الأئمة الأربعة.
وقيل: لا يقضي، وهو قول الحسن البصري، واختاره ابن تيمية، والصحيح الأول، وسيأتي بحثها إن شاء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك فالأدلة القاضية بكفر تارك الصلاة مطلقة، لم تحدَّ ذلك بترك عدد معين من الصلوات، وهو قول الجمهور، ومن اشترط أن يضيق وقت الثانية عن فعلها إنما هو من أجل تحقق العزم على تركها، وأنه لم يقصد بذلك تأخيرها عن وقتها، ومثله من اشترط أن تكون الصلاة المتروكة لا تجمع مع الصلاة التي بعدها باعتبار أن الصلاتين المجموعتين وقتهما واحد، فإذا ترك الصلاة الأولى لا يصدق عليه أنه تركها؛ لقيام وقتها، وشيخ الإسلام جعل من يترك الصلاة أحيانًا ويفعلها أحيانًا بمنزلة المنافق، فهو يجعله مسلمًا في الظاهر، وكافرًا في الباطن.
قال ابن تيمية: «فإن كثيرًا من الناس؛ بل أكثرهم في كثير من الأمصار لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركوها بالجملة، بل يصلون أحيانًا ويدعون أحيانًا، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام؛ فإن هذه الأحكام إذا جرت على المنافق المحض - كابن أبي وأمثاله من المنافقين - فلأن تجري على هؤلاء أولى وأحرى. وبيان هذا الموضع مما يزيل الشبهة: فإن كثيرًا من الفقهاء يظن أن من قيل: هو كافر فإنه يجب أن تجري عليه أحكام المرتد ردة ظاهرة، فلا يرث، ولا يورث، ولا يناكح حتى أجروا هذه الأحكام على من كفروه بالتأويل من أهل البدع، وليس الأمر كذلك؛ فإنه قد ثبت أن الناس كانوا ثلاثة أصناف: مؤمن، وكافر مظهر للكفر، ومنافق مظهر للإسلام مبطن للكفر، وكان في المنافقين من يعلمه الناس بعلامات