بأن الحديث لم يذكر هذه الصفات على سبيل الحصر، بدليل أنهم لو تساويا في هذه الصفات الأربع، فالعدل أولى من الفاسق، والكاسي أولى من العاري، والبالغ أولى من الصبي، وما اتفق على تقديمه أولى من المختلف فيه، والورع والخاشع والحليم أولى من ضدهم، ولم ينص على هذه الصفات في الحديث ..
نعم الحديث دليل على تقديم الأعرابي لو كان أقرأ من الحضري، ولكن الحديث لا يمنع من تفضيل الحضري لو تساويا في هذه الصفات الأربع، فالصفات الأربع لها الأولوية عند التفاضل؛ للنص عليها، والله أعلم.
الدليل الثالث:
لم يجعل الله التفاضل بين الناس إلا بالتقوى، فإذا كان لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، فكذلك لا فضل لحضري على أعرابي.
ونوقش:
التفاضل ليس قائمًا على تفضيل عرق على آخر، فالحضري والبدوي كلهم عرب من جنس واحد، فالظاهر أنهما متساويان في التقوى؛ لتساويهما في القراءة والفقه والسن، فكان تقديم الحضري لكونه في الغالب أصلح للولاية من الأعرابي، والضابط في الولايات كلها ألا يقدم فيها إلا أقوم الناس بجلب مصالحها ودرء مفاسدها. فلو فرض أن المتقدم من الحضر لا يصلح للولاية لكونه أحمق، وكان المتقدم من الأعراب أحسن خلقًا لم يقدم عليه الحضري، لكن الأحكام تناط بالغالب، والغالب على أهل البادية الجفاء والغلظة، ولا يتحمل كثير من الناس أطباعهم.
(ح-٣٢٠٠) فقد روى البخاري ومسلم من طريق مالك، عن إسحاق بن عبد الله،
عن أنس بن مالك ﵁ قال: كنت أمشي مع النبي ﷺ، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي ﷺ قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مر لي من مال الله