فساوى الحنفية بين ترك الشدة وبين اللحن في الإعراب. وقد اختلف مذهب المتقدمين من الحنفية في حكم الخطأ في الإعراب أو ترك الشدة عن مذهب المتأخرين: وخلاصة مذهب المتقدمين: أنه إن كان لا يغير المعنى، فإن كان نظيره في القرآن نحو: (إن المسلمون) لم تفسد به الصلاة باتفاق الأئمة الثلاثة. وإن كان لا يغير المعنى، وليس نظيره في القرآن مثل: (قيامين بالقسط): فعند أبي حنيفة ومحمد: لا تفسد الصلاة به، وعند أبي يوسف تفسد. ولو قرأ قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ برفع لفظ الجلالة، ونصب العلماء فسدت الصلاة عند أبي حنيفة ومحمد؛ ولم تفسد عند أبي يوسف. فالعبرة في الفساد وعدمه عند الإمام أبي حنيفة ومحمد: تغير المعنى تغيرًا فاحشًا، سواء أكان اللفظ نظيره موجود في القرآن أم لا. وعند أبي يوسف: إن كان اللفظ نظيرُهُ موجود في القرآن لم تفسد الصلاة به مطلقًا، سواء أتغير به المعنى تغيرًا فاحشًا أم لا، وإن لم يكن موجودًا في القرآن فتفسد مطلقًا، ولا يعتد بالإعراب أصلًا. هذا خلاصة مذهب المتقدمين وأخذ به بعض المتأخرين؛ لكونه أحوط. وذهب أكثر المتأخرين من الحنفية كابن مقاتل ومحمد بن سلام وإسماعيل الزاهد وأبي بكر البلخي والهندواني وابن الفضل والحلواني إلى أن الخطأ في الإعراب لا يفسد الصلاة مطلقًا، ولو كان اعتقاده كفرًا، وعلى هذا مشى في الخلاصة، فقال: وفي النوازل: لا تفسد في الكل، وبه يفتى. وحجتهم: أن أكثر الناس لا يميزون بين وجوه الإعراب، ولأن اشتراط الصواب في الإعراب يوقع الناس في الحرج، وهو مرفوع شرعًا. ومحل الاختلاف في الخطأ والنسيان، أما في العمد فتفسد به الصلاة مطلقًا إذا كان مما يفسد الصلاة، أما إذا كان ثناء فلا يفسد، ولو تعمد ذلك. انظر: فتح القدير لابن الهمام (١/ ٣٢٢)، حاشية ابن عابدين (١/ ٣٦١)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: ٢٣٩). وقد تكلمت على حكم من ترك شدة من الفاتحة في صفة الصلاة، فارجع إليها في المجلد الثامن تحت عنوان: وجوب قراءة الفاتحة بتشديداتها.