كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه، أو: أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، وكأنما يقر في صدري … وفيه: فلما كانت وقعة أهل الفتح، بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي ﷺ حَقًّا، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنًا. فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة، كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تُغَطُّوا عنا است قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصًا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص (١).
وجه الاستدلال بالحديث من طريقين:
الطريق الأول:
الاحتجاج بالحديث باعتبار أن النبي ﷺ علم ذلك وأقره؛ لوقوعه زمن التشريع، فيبعد ألا يعلم النبي ﷺ عن حقيقة نائبه في الصلاة في هذه القبيلة، وقد كان النبي ﷺ يتولى بنفسه تعيين نوابه ومن يتولى الصلاة في الناس في أهم ركن عملي في الإسلام، وهو الصلاة، وهي من أعظم مسؤوليات النبي ﷺ، ولو كانت الواقعة مرة أو مرتين لقيل يحتمل أن ذلك لم يبلغه، أما أن يستمر هذا الصبي يصلي في قبيلته إلى وفاة النبي ﷺ، ثم لا يعلم النبي ﷺ شيئًا عن صلاة هذه القبيلة، ومن يتولى الصلاة بها فهذا بعيد جدًّا، وقد استمر هذا الصبي يصلي في قومه حتى توفاه الله شيخًا كبيرًا.
فقد روى أحمد وابن أبي شيبة وغيرهما من طريق مسعر بن حبيب الجرمي، حدثنا عمرو بن سلمة، أن أباه ونفرًا من قومه … وذكر نحو هذا الحديث، وفيه: فما شهدت مجمعًا من جرم إلا كنت إمامهم إلى يومي هذا.