للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فأخرج إلى البقيع. فمن أكلهما فليمتهما طبخًا (١).

• وجه من قال بالتحريم:

ورد النهي صريحًا عن دخول المسجد لمن أكلها، والأصل في النهي التحريم.

ولأن الحكم علل بالأذية نصًّا، وأذية الناس والملائكة محرمة، وقد أضيف لهما حرمة المساجد وتنزيهها عن الروائح الخبيثة حتى أخرج من وجدت من رائحة الثوم من المسجد عقوبة له، والمكروهات لا تعزير فيها، لا سيما بالحرمان من الواجبات كالجمعة والجماعة.

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٥٨].

ولأن هذه الروائح الكريهة تؤثر على خشوع المصلين، وتنفرهم من حضور الجماعة والجمعة، ومصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد.

وقد قال الخطابي: «قد توهم بعض الناس أن أكل الثوم عذر في التخلف عن الجماعة، فوضع هذا الحديث في جملة الأعذار المبيحة ترك حضور الجماعات، وإنما هذا توبيخ له وعقوبة على فعله؛ ليحرم بذلك فضيلة الجماعة» (٢).

والعقوبة لا تكون إلا على فعل محرم، ولم يحرم أحد أكل الثوم إلا أن يكون سببًا في ترك واجب كالجمعة، وقد اختلف العلماء في دخول المسجد للجمعة بين القول بالتحريم والكراهة، وسيأتي إن شاء الله تعالى البحث فيها.

ومن قال بالكراهة، صرف النهي عن التحريم بقرائن وإشارات من هذه النصوص، ولبعض الأحاديث.

ففي حديث جابر: أمر النبي بتقريبها إلى أصحابه، وأمر بأكلها بقوله: (كُلْ؛ فإني أناجي من لا تناجي)، فكون النبي يأمر غيره بأكلها، ويعلل امتناعه من أكلها بشيء يختص به، وهو قوله : (فإني أناجي من لا تناجي) صريح بإباحته، وفيه رد على الحنابلة الذين قالوا بكراهة أكلها مطلقًا، فالنبي لا يأمر بفعل المكروه.


(١) صحيح مسلم (٧٨ - ٥٦٧).
(٢) أعلام الحديث (١/ ٥٥٦)، وانظر: معالم السنن (٤/ ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>