للعهد فالمقصود به النداء المعهود التي ينادى به لعموم الناس، وهو خاص بالصلاة المؤداة، وإن أريد به العموم فالمراد لعموم الصلوات الخمس والجمعة المؤداة؛ لأنه لا يشرع نداء عام للصلوات المقضية حتى يشمل عمومه الصلاة المقضية.
وحديث أبي الدرداء على التسليم بصحته:(ما من ثلاثة في قرية، لا يؤذن، ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان) المقصود به الأذان والإقامة للصلاة المؤداة؛ لأن الصلاة المقضية لا أذان لها ولا إقامة عامة.
فإذا تأملت هذه الأحاديث لم تجد العموم الذي فيها يشمل المقضية، بل عمومها يشمل جميع الصلوات المؤداة بما فيها الجمعة، فبطل الاستدلال بالعموم على وجوب الجماعة للصلاة المؤداة.
وأما الاستدلال بقياس المقضية على المؤداة، فهو قياس مع الفارق: فالمؤداة مرتبطة بوقت معين، ويتحراها الناس، وينادى عموم الناس إلى فعلها في أول الوقت، فيجتمعون لها، فإمكانية فعلها جماعة متيسر للمكلف. وأما المقضية فتفعل خارج وقتها، ولا وقت معين لفعلها إلا وقت تذكرها، وهو غير معين، ويخاطب بها من لزمته، والغالب أنه فذٌّ، فكان سقوط وجوب الجماعة لها هو الأصل.
نعم إن تيسر صلاتها جماعة -كما لو فاتت الصلاة جماعة- وكانوا مجتمعين وقت وجوب فعلها أو تطوع أحد ليصلي مع من فاتته الصلاة فيشرع له صلاتها جماعة طلبًا لفضل الجماعة، ولكن لا يوجد في النصوص ما يدل على وجوب الصلاة جماعة للمقضية، ولهذا فالحنابلة وإن قالوا بوجوب الجماعة للصلاة المؤداة فهم لا يرون وجوبها للمقضية في المشهور من المذهب، وما ذلك إلا لوجود فرق بين الصلاة المؤداة والمقضية، والله أعلم.
الدليل الثاني:
حديث أبي قتادة وحديث عمران بن الحصين وحديث أبي هريرة في قصة نوم النبي ﷺ وأصحابه عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، وقد صلاها النبي ﷺ جماعة، وقد قال النبي ﷺ: صلوا كما رأيتموني أصلي، رواه البخاري من حديث مالك بن الحويرث.