للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والعلماء متفقون على أن الصلاة والسهو سببان للسجود، وكلاهما إما في الصلاة، أو مرتبط بها، وسجود الشكر هو السبب الوحيد الذي لا يرتبط بالصلاة، والعلماء متنازعون في مشروعيته، ولم يصح حديث مرفوع عن النبي أن الشكر سبب للسجود، ولو كان مشروعًا لفعله النبي ، أو كان جائزًا لاتفق وقوعه منه، مع تجدد البشارات التي كانت تأتي إلى النبي ، ولو فعلوه لنقل إلينا نقلا متظاهرًا؛ لحاجة العامة إلى فعله، فلما تركه النبي كانت السنة تركه، وأكثر الأحاديث المرفوعة التي وردت في الباب، بل والآثار الواردة عن الصحابة عدا أثر كعب بن مالك غرائب، ومناكير، وتدور على مجاهيل، وهي غير صالحة للاعتبار، وانفراد المجاهيل بسنة دليل على ضعفها، وليس على تقويتها بالمجموع، والأصل عدم المشروعية.

جاء في التعليقة الكبرى للقاضي أبي يعلى: «واحتج المخالف: بأن نعم الله ﷿ على نبينا كانت ظاهرة، وآلاؤه لديه متواترة، من حين بُعث إلى أن قُبض، فمما أنعم الله: أنه اصطفاه بالرسالة، واجتباه للنبوة، وائتمنه على وحيه، وصيَّره سفيرًا بينه وبين خلقه، وجعله خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وأيده بالبراهين الواضحة، والحجج اللائحة، والمعجزات الدالة على صدقِه، وصحةِ ما جاء به من عند ربه ﷿، ثم مكّنه من أعداء الدين، وملَّكه رقابهم، وأموالهم، ولم ينقل عنه أنه سجد لشيء من ذلك شكرًا لله تعالى، فلو كان سجود الشكر مسنونًا مستحبًا، لما جاز أن يتركه عند هذه النعم المتجددة، ولو فعل، لنُقِل، فلما لم ينقل، دل على أنه لم يفعل، وأنه غير مسنون» (١).

• ونوقش هذا:

بأن ما ذكروه من عدم النقل غير مسلَّم، فقد نقل فعل السجود عن النبي كما نقل عن جماعة من أصحابه، وإذا كانت آحادها لا تقوم بها حجة، فإن مجموعها صالحة للاحتجاج؛ فحالة الاجتماع تثير ظنًّا غالبًا، وهذا شأن كل ضعيفين اجتمعا، قال تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ


(١) التعليقة الكبرى (١/ ٣١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>