ولأن العلة في صحة السجود إيماء من الراكب، هو ألا ينقطع سيره، وهذا المعنى موجود في الماشي، فالإيماء يكون بالرأس، وهو لا يوجب قطعًا للسير.
الوجه الثاني: أن النص ورد في الراكب رخصة، والرخص لا يقاس عليها؛ لأنها خارجة عن القياس، فلا ترد إليه (١).
• ونوقش:
بأن الأصح من أقوال العلماء أن الرخصة تتعدى محلها إذا كانت معللة، فيقاس العفو عن يسير النجاسات بالعفو عن أثر الاستجمار، ويعطى من به سلس البول حكم المستحاضة في إلغاء أثر الحدث، ويحكم بطهارة الفأرة لعلة التطواف قياسًا على الهرة، فإذا صح السجود بالإيماء من الراكب، صح السجود بالإيماء من الماشي، وإذا صح السجود الواجب إيماء كما لو سها المتنفل، وهو راكب، صح السجود المستحب من الماشي من باب أولى، كسجود التلاوة.
الوجه الثالث:
على القول بأن الرخص يقاس عليها، فإن الماشي ليس في معنى الراكب، لأن الراكب كالمتنفل جالسًا، وهذا يصح بلا عذر، بخلاف الماشي فإنه متحرك بنفسه، والعمل الكثير في الصلاة ينافيها.
• ويناقش:
بأن الراكب متحرك كالماشي، ولو كان الراكب في حكم الجالس لوجب عليه استقبال القبلة، فإن المتنفل جالسًا يجب عليه استقبال القبلة، والفرق أن الراكب متحرك بغيره، والماشي متحرك بنفسه، وهذا لا يحدث فرقًا، والقياس بين الراكب والماشي ليس في سقوط القيام، حتى يقال: الراكب كالمتنفل جالسًا، وإنما في صحة السجود إيماء بدلًا من السجود على الأرض، وهو محل القياس.
• دليل من قال: يومئ بالسجدة مطلقًا:
الدليل الأول:
أن الماشي سائر فأشبه الراكب، فيقاس عليه بجامع التيسير حتى لا تتعطل النوافل؛
(١) انظر عمدة القارئ (٧/ ١٣٨)، شرح التلقين (٢/ ٩٢٥)، الحاوي الكبير (٢/ ٧٧).