أن الأوصاف في الأحاديث تارة تذكر على سبيل الشرطية، كاشتراط أن تكون الصلاة على الدابة نافلة، فلا تصح الفريضة، وتارة تذكر كوصف طردي، ولا تساق بطريق الاشتراط، فلا يحسن أن تجعل شرطًا بمجرد الذكر، كذكر السفر؛ فلا يكون شرطًا؛ لأن الأصل عدم الاشتراط، وإلا لاشترط الجهاد لأنه ذكر في بعض الرويات.
فالنصوص التي نقلت لنا هذه السنة كلها كانت من السنة الفعلية، تارة تأتي مطلقة دون ذكر وصف السفر، وتارة تفيد بأنه فعل ذلك في السفر، وهذه النصوص لا تقضي على النصوص المطلقة؛ لأنها فرد من أفرادها موافقة لها في حكمها، فلم تقتضِ تخصيصًا كما بينا ذلك فيما سبق.
الوجه الثاني:
لو كان السفر شرطًا لصحة النافلة على الدابة لفهم ذلك الصحابة الذين نقلوا لنا هذه السنة من فعل الرسول ﷺ، ولم أَقِفْ على نص واحد عن فقيه صحابي يشترط أن يكون ذلك في السفر، كما نقلوا لنا اشتراطهم أن تكون الصلاة على الراحلة في غير الفريضة، والله أعلم.
• دليل من قال: يشترط أن يكون ذلك خارج المصر ولو لم يكن مسافرًا:
الأصل في العبادات المنع، قال الأثرم: قيل لأحمد بن حنبل: الصلاة على الدابة في الحضر؟ فقال: أما في السفر فقد سمعنا، وما سمعت في الحضر (١).
وإذا قال مثل الإمام أحمد: ما سمعت في الحضر فحسبك به.
وأما الأحاديث المطلقة في الصلاة على الدابة، والذي ظاهرها جوازها في الحضر، فهي محمولة على الروايات المقيدة في السفر.
وإذا كان هذا في صلاة النافلة، فكذلك القول في سجدة التلاوة؛ لأنها صلاة، فهي معتبرة بصلاة النافلة.
(١) التمهيد لابن عبد البر (١٧/ ٧٨)، الاستذكار (٢/ ٢٥٨).