للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وروى البخاري من طريق شعبة، عن العوام قال: سألت مجاهدًا، عن السجدة في (ص) قال: سئل ابن عباس فقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: ٩٠]، وكان ابن عباس يسجد فيها (١).

ورواه البخاري من طريق سهل بن يوسف، قال: سمعت العوام بنحوه .... وفيه: .... نبيكم ممن أمر أن يقتدي بهم (٢).

فالحديث اشتمل على أثر وسنة، أما الأثر: فقول ابن عباس عن ص ليست من عزائم السجود. وقوله: إن النبي سجد اقتداء بمن سبق، ويحتج بهذه الآية بعض الأصوليين ممن يرى أن شرع من قبلنا شرع لنا.

وأما السنة: فهو في فعل النبي حيث سجد فيها. وسواء أكان سجوده داخل الصلاة أم خارجها فقد انعقد السجود بسبب التلاوة، وكل سجدة كان سببها التلاوة فإنه يجوز فعلها في الصلاة، ومنه سجدة (ص).

وهذا أصح دليل في سجدة (ص)، وهو من أفراد الإمام البخاري عليه رحمة الله.

وأما قول ابن عباس ليست من عزائم السجود، فاختلف الفقهاء في تفسير العزائم:

فقيل: ليست من العزائم أي ليست من الفرائض.

ونفي الفريضة عند الحنفية، لا يستلزم نفي الواجب؛ لتفريقهم بين الفرض والواجب، وعليه تكون عزائم السجود: ما كان السجود فيها فرضًا، وما ليس من عزائم السجود ما كان السجود فيها واجبًا (٣).

وقيل: عزائم السجود: أي المتأكد منها.

وعلى هذا تكون سجدات التلاوة منقسمة إلى قسمين:

سجدات يتأكد السجود فيها، وهي ما تسمى عزائم السجود، وأخرى يكون السجود فيها غير متأكد، كانقسام السنن إلى مؤكدة، وغير مؤكدة (٤).


(١) صحيح البخاري (٤٨٠٦).
(٢) صحيح البخاري (٣٤٢١).
(٣) شرح مشكل الآثار (٧/ ٢٣١).
(٤) وبهذا وفق بعض العلماء اختلاف الرواية عن مالك، فعن مالك أن سجدات التلاوة إحدى عشرة سجدة، وهو المشهور. وعنه خمس عشرة. وفي قول ثالث: أربع عشرة. واختار أبو محمد وغيره: أن السجود مأمور به في هذه الخمسة عشر، إلا أن في الأحد عشر آكد وأقوى، ولذلك سماها الفقهاء عزائم.
جاء في التنبيه على مبادئ التوجيه (٢/ ٥١٤): «ويحتج بقول مالك في موطئه: «عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة»، وهذا يدل على أن في القرآن سجودًا غيرها، لكنه ليس
من العزائم. فيصير المذهب عنده على أن السجود مشروع في الأحد عشر موضعا متأكدًا، وفي غيره من الأربعة مواضع غير متأكد، وهو غير مشروع في غير هذه المواضع». وانظر: روضة المستبين في شرح التلقين (١/ ٣٧٩)، شرح الزرقاني على خليل (١/ ٤٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>