ولنقل ذلك في أفعال الصحابة، فكون الشافعية يستدلون بأحاديث سجود التلاوة في الصلاة الجهرية، لا يكفي في استحبابه في الصلاة السرية، إلا لو كانت الصلاة السرية لم تكن قائمة زمن التشريع، ولا يمكن حمل الإعراض عن سجود التلاوة في الصلاة السرية بأنه لم يثبت السبب في حق الإمام، وهو التلاوة، لأنه يبعد طيلة زمن التشريع وزمن الصحابة ألا يكون أحد من الأئمة قد قرأ آية سجدة في صلاته السرية، مع كثرة مواضع سجود التلاوة في القرآن، والتي تبلغ من أحد عشر موضعًا على أحد الأقوال إلى خمسة عشر، والترك في العبادات سنة كالفعل، وأنا أميل إلى داعي الترك؛ لأن فيه احتياطًا؛ لأن السجود الراجح فيه أنه سنة، وإذا تنازع الفقهاء في سنية عبادة فالأحوط تركها حتى تثبت المشروعية.
ولو سجد الإمام في السرية لم تفسد صلاته، وسجد المأموم؛ لأن استحباب فعله في الجهرية ينفي بطلان الصلاة بفعله في السرية، ولو كان السجود مفسدًا للسرية لحفظ في النصوص النهي عن فعله في السرية، فكان تركه زمن التشريع لا يجعله مستحبًا، فهو دائر بين الكراهة والجواز، والله أعلم.