بأن مثل هذا المقدار من النهوض لا يبطل الصلاة، ولو تعمده؛ لأنه بمثابة التزحزح، وإنما يبطل الصلاة لو أنه نهض حتى كان إلى القيام أقرب منه إلى القعود، فإنه بذلك يخرج عن حكم الجلوس، والله أعلم.
• دليل من قال: إذا كان إلى القعود أقرب رجع وسجد:
أما الدليل على أنه يرجع إذا كان إلى القعود أقرب: فقد تقدم الاستدلال له.
وأما الدليل على أنه يسجد للسهو إذا عاد: فعلل الحنفية ذلك بأنه، وإن عاد إلى التشهد فقد أخر التشهد عن وقته حين اشتغل بالنهوض، وكان الواجب أن يصله بما قبله، فلزمه سجود السهو.
وكونه استدرك التشهد فهذا لا يسقط عنه السجود، ألا ترى من ترك ركنًا، فإنه يطالب باستدراكه، ومع ذلك يسجد للسهو.
و لأن المقتضي للسجود في هذه المسألة أحد أمرين:
إما ترك التشهد، وهو من النقص.
وإما زيادة فعل من أفعال الصلاة، وهو النهوض إلى القيام سهوًا، وكل من النقص أو الزيادة من أسباب سجود السهو، والله أعلم.
• دليل من قال: إذا كان إلى القيام أقرب لم يرجع وسجد للسهو:
المصلي إذا قام في صلاته فإنه لا يفارق حكم القيام حتى يصل إلى أدنى حد الركوع، فكان القائم في الصلاة كل من انتصب قائمًا أو انحنى انحناء يسيرًا، فإنه لا يخرج به عن حد القيام، فالأول قائم حقيقة، والثاني: حكمًا، وهذا عند جمهور الفقهاء، وسبق بيانه في المجلد السابع.
فإذا نهض المصلي ساهيًا من الركعة الثانية، ولم يجلس للتشهد، فإن كان إلى القعود أقرب، أو كان في حد الركوع فلم يبلغ حدَّ القيام فيلزمه الرجوع، حتى إذا بلغ حدًّا يجزئ في القيام، بحيث يكون إلى القيام أقرب، كان في حكم من انتصب قائمًا؛ فلا يشرع له الرجوع في أصح قولي أهل العلم؛ لحديث عبد الله بن بحينة المتفق عليه حيث سها النبي ﷺ عن التشهد، ولم يرجع إليه، وجبره بالسجود.