للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

[م- ٨٧٤] اختلف العلماء في الرجل يسلم قبل إتمام صلاته، فلا يتذكر ذلك حتى انحرف عن القبلة، فهل انحرافه عن القبلة يمنع من البناء على صلاته؟

اختلف العلماء في ذلك على قولين:

فقيل: إذا انحرف عن القبلة امتنع البناء، واستأنف الصلاة، وهو قول محمد بن الحسن من الحنفية، والمذهب عند المالكية (١).

وقيل: يبني، ولو انحرف عن القبلة، وهذا مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة (٢).


(١) بدائع الصنائع (١/ ١٦٨)، حاشية ابن عابدين (٢/ ٩١).
وقال الزرقاني في شرحه على خليل (١/ ٤٤٩) والخرشي (١/ ٣٣٣) بعد أن بَيَّنا أن طول الفصل يمنع من البناء، قالا: ومثل الطول حصول مانع كالحدث، وكذا إن تكلم، أو لابس نجاسة، أو استدبر القبلة عامدًا، قاله ابن هارون». اه
وقوله: (عامدًا) احتراز من الانحراف عن القبلة ساهيًا أنه في صلاة، وينبغي أن يقيد ذلك أيضًا بأن الكلام ليس لمصلحة الصلاة؛ لأن المالكية يبيحون الكلام لمصلحة الصلاة إذا لم تفهم الإشارة كما بينته في حكم الكلام عمدًا في الصلاة في المجلد السابق.
وقال الدسوقي في الشرح الكبير (١/ ٢٩٣): «ومثل الطول بقية المنافيات، كحدث مطلقًا، أو أكل، أو شرب، أو كلام عمد».
ولم يذكر الانحراف عن القبلة، وكرر ذلك في موضع آخر (١/ ٢٩٥)، فهل قصد بذكر الحدث، والأكل، والشرب، والكلام التمثيل، وليس الحصر، فيكون تَرْكُ ذكره الانحراف عن القبلة اقتصارًا، وليس نفيًا لحكمه، لقوله: (ومثل الطول)، أو أنه ترك ذكر الانحراف عن القبلة قصدًا، فيكون هذا من باب الاختلاف في الانحراف عن القبلة، الظاهر الأول، والله أعلم.
(٢) جاء في فتح القدير (١/ ٥١٦): «إذا سلم وانصرف ثم ذكر أن عليه سجدة صلبية، أو سجدة تلاوة، فإن كان في المسجد، ولم يتكلم، وجب عليه أن يأتي به، ولو انصرف عن القبلة».
والحنفية يرون الانحراف عن القبلة مانعًا من بناء سجود السهو على الصلاة، كما لو سلم ناسيًا أن عليه سجود السهو، ولم يتذكر حتى انحرف عن القبلة.
وأما إذا انحرف عن القبلة قبل إتمام صلاته ساهيًا، ففي الانحراف عن القبلة قولان:
الأول: قول أبي حنيفة وأبي يوسف، أن الانحراف لا يمنع من البناء استحسانًا.
والثاني: قول محمد بن الحسن أن الانحراف مانع، وهو مقتضى القياس.
ففي مسألة بناء السجود على الصلاة قال الكاساني في بدائع الصنائع (١/ ١٥٧): «إذا سلم وهو ذاكر له، أو ساه عنه (يعني سجود السهو) ومن نيته أن يسجد له، أو لا يسجد حتى لا يسقط عنه في الأحوال كلها؛ لأن محله بعد السلام إلا إذا فعل فعلًا يمنعه من البناء، بأن =

<<  <  ج: ص:  >  >>