وأن ترتفع الغشاوة عن عينه في فهم المذاهب الأخرى، فكل مذهب له بعض أصوله وقواعده التي قد لا تتفق مع أصول مذهب النشأة والبقعة، ولقد اعترض علي بعض أقراني بعد أن قرأ صفة الصلاة، فطلب مني بمجلس مشهود أن أقول له ما هي واجبات الصلاة؟ معتقدًا أنني إذا قلت له: لا يوجد في أفعال الصلاة ما هو واجب كان ذلك وحده دليلًا على غرابة القول وضعفه؛ لأنه يريد أن يحاكمني إلى ما استقر عند الحضور وتعلموه.
فقلت له: اختر أي مسألة اعتبرها الحنابلة أو الحنفية من واجبات الصلاة، ولننظر في أدلتها بإنصاف، فإن سلمت الأدلة القاضية بالوجوب فقد ثبت هذا التقسيم، وإلا فلا مانع أن توجد عبادة قائمة على فروض وسنن، ولا واجبات فيها كالوضوء، أما أن تأتي إلى مسائل كثيرة اعتبرها الحنابلة من الواجبات، وأدلتها مختلفة فلا يمكن الوصول معك إلى قناعة، وأعتقد أنه لم يكن الغرض من السؤال هو البحث العلمي، بقدر ما أراد السائل أن يلفت نظر الحضور إلى غرابة الترجيح، فإن كان الاعتراض فقط لكونه مذهب الحنابلة والحنفية، فالقول بعدم وجود قسم الواجب ليس قولًا شاذًا، بل هو مذهب المالكية والشافعية، فكان العبرة بالدليل، وكتابي بين يدي القارئ ليأخذ واجبات الصلاة مسألة مسألة، وليطلع على أدلة القائلين بالوجوب، فقد ذكرت حكم كل فعل من أفعال الصلاة في صفة الصلاة بحسب ترتيب هذا الواجب فعلًا أو قولًا من الصلاة، فإذا نظر إليه طالب العلم بتجرد وإنصاف فسيصل إن شاء الله تعالى إلى قناعة أن قسم الواجب لا يوجد في أفعال الصلاة، أو على الأقل ليعلم أن المالكية والشافعية لهم أدلة وجيهة في نفي هذا القسم، فيكفي أن تزول عنه الصدمة والدهشة والغرابة، ويكفي هذا مكسبًا لكسر ما ألفه بالتلقي.
فإذا علمت أن الحنفية والحنابلة الذين يقولون بوجود قسم الواجب في أفعال الصلاة لا يتفقون في ذكرها إلا على واجب واحد، وهو التشهد، وكان معظم واجبات