من جهة الدلالة أعطوه حكم الواجب، ومنزعهم في ذلك مراعاة لخلاف من قال بوجوب القراءة في كل ركعة، وهو أصلٌ أَكْثَر منه المالكية.
فمن جهة اللفظ قالوا: قراءة الفاتحة سنة في الأقل بحسب هذه الرواية.
وفي الدلالة: قالوا: لو ترك القراءة في الأقل عمدًا، أو ترك سجود السهو بطلت الصلاة، فأعطوها حكم الواجب.
فلم يجعلوا حكمه حكم السنن إلا في جبره بسجود السهو.
وهذه الطريقة فيها ما فيها، فهو يسلب وصف الدلالة الأصولية، فالسنة عندما تأخذ حكم الواجب لا تكون سنة إلا من جهة اللفظ، فكأنها مراعاة لفظية، ومحاولة التلفيق بين أصلين: الواجب والسنة، فلا هو واجب من كل وجه، ولا هو سنة من كل وجه، فخرج أصل مبتدعًا يطبق عليه حكم السنة في جزئية، وحكم الواجب في جزئية أخرى، فكان أصلًا هجينًا فاقد الدلالة، ومراعاة الخلاف القوي لا يكون بإحداث أصلٍ ملفقٍ بين أصلين، ونكون بهذا زدنا الخلاف في المسألة، فبدلًا من كون الخلاف سنة وواجبًا، أصبحت الأقوال: سنة وواجبًا وبينهما، وعلى كل حال إخواننا من أصحاب المذهب المالكي يعتبرون مراعاة الخلاف منقبة للمذهب، فهو يراعي الخلاف الحاصل داخل المذهب، كما يراعي الخلاف الحاصل بين الأئمة، وهو من هذه الحيثية صحيح، فهو يعالج التعصب وإلغاء اعتبار قول المخالف، إلا أنه في بعض المسائل قد يعترض عليه بما اعترضت به، إن كان اعتراضي وجيهًا، فليتأمل، والله أعلم.
الدليل الثاني:
قال إسحاق:«إذا قرأ في ثلاث ركعات بفاتحة الكتاب أجزأه، لا شك في ذلك؛ لإجماع الأمة أنه إذا أدرك الإمام راكعًا كبر، وقد أدرك الركعة وقراءتها»(١).
• ويناقش من وجهين:
الوجه الأول:
بأن الدليل أخص من المدلول، فإن سقوط القيام والقراءة عن المأموم إذا