لهذا فالصحيح أن الأمر ينقسم إلى قسمين: مطلق، ومقيد:
والمطلق الخالي من القيد فالأكثرون على عدم إفادته التكرار؛ لأنه لمطلق إيجاد الماهية، والمرة الواحدة تكفي فيه، فمثلًا لو قال: طلق زوجتي لم يملك إلا تطليقة واحدة، ولو أمر السيد عبده بدخول الدار برئت ذمته بمرة واحدة.
وأما المقيد فإنه ينقسم إلى قسمين: إما أن يقيد بما يفيد المرة الواحدة، كقوله ﷺ -في الحج حين قيل له: أفي كل عام يا رسول الله؟ فأفاد أن الحج مرة واحدة، فما زاد فهو تطوع، فهذا لا يقتضي التكرار قولًا واحدًا.
وإما أن يقيد بصفة أو شرط، فالقيد بصفة كقوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨]، فكلما حصلت سرقة وجب القطع ما لم يكن تكرارها قبل القطع.
والمقيد بشرط كقوله ﷺ: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول.
فأمر بالإجابة عند سماع النداء، والسماع هو علة الامتثال، ولذلك لو رأى المؤذن في المنارة، ولم يسمع النداء لم يطلب منه الإجابة، وإذا كان كذلك فإن الحكم يتكرر بِتَكَرُّر السماع، لتكرار علته، والله أعلم.
* حجة من قال: إذا صلى فلا يجيب:
أن الأذان دعاء إلى الصلاة، وإجابة المؤذن باللسان إذا كان مدعوًّا للإجابة لفعلها، فإذا كان غير مدعوٍّ لها فلا يجيب إذن.
* ويناقش:
بأن الإجابة لو كانت معلقة بالدعوة إلى فعلها لكان ذلك خاصًّا بإجابة مؤذن مسجده، والحديث مطلق، فيجيب مؤذن مسجده كما يجيب غيره، والإجابة ذكر لله ﷾، لا تقيد بإجابة المؤذن وعدم إجابته، حتى تشرع لمن يصلي في بيته، ولمن لا تجب عليه الجماعة كالنساء، والله أعلم.
* الراجح:
أنه تشرع إجابة المؤذن بِتَكَرُّر النداء، والأول آكد من غيره، ما لم يتداخل السماع والله أعلم.