للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

• وإن بكى لخشوع أو لمصيبة أو وجع، فاختلفوا:

القول الأول: مذهب الحنفية.

ذهب الحنفية إلى أن البكاء إن كان لذكر جنة أونار لم تبطل صلاته مطلقًا: أي سواء كان يمكنه دفعه أم لا، وسواء بان منه حروف أم لا، وسواء كان كثيرًا أم قليلًا؛ لأنه دال على زيادة الخشوع (١).

وإن كان لوجع أو مصيبة، فإن كان لا يمكنه الامتناع عنه لم تفسد صلاته قولًا واحدًا في مذهب الحنفية، وإن كان يمكنه دفعه ففي المذهب قولان:

الأول: تفسد صلاته إن كان بصوت وحروف مطلقًا، سواء أكانت الحروف أصلية أم زائدة، وهو قول أبي حنفية ومحمد بن الحسن.

قال في الدر المختار شرح تنوير الأبصار في ذكر ما يفسد الصلاة: «(والبكاء بصوت) يحصل به حروف (لوجع أو مصيبة) … إلا لمريض لا يملك نفسه عن أنين وتأوه؛ … وإن حصل حروف للضرورة، لا لذكر جنة أو نار» (٢)، أي: فلا يفسدها.


(١) قال في الهداية (١/ ٦٢): «فإن أَنَّ فيها أو تَأَوَّه أو بكى فارتفع بكاؤه، فإن كان من ذكر الجنة والنار لم يقطعها؛ لأنه يدل على زيادة الخشوع، وإن كان من وجع أو مصيبة قطعها؛ لأن فيه إظهار الجزع والتأسف، فكان من كلام الناس».
قال في كنز الدقائق: «يفسد الصلاة … والأنين والتأوه وارتفاع بكائه من وجع أو مصيبة لا من ذكر جنة أو نار».
قال في البحر الرائق (٢/ ٤): «قوله: (لا من ذكر جنة أو نار) عائد على الكل».
يقصد بالكل: (الأنين والتأوه وارتفاع بكائه) وخص البكاء بالارتفاع إشارة إلى أن البكاء بصوت وحرف لا يفسد الصلاة إذا كان ناشئًا عن الخشوع، لقوله: (لا من ذكر جنة أو نار). قال في مراقي الفلاح (ص: ١٢١): «لا تفسد بحصولها من ذكر جنة أو نار اتفاقًا لدلالتها على الخشوع». اه وظاهره سواء كان يمكنه دفعه أم لا، لأن البكاء من ذكر الجنة والنار دال على زيادة الخشوع من جهة، ودلالته من حيث المعنى: سؤال الجنة والنار، ولو صرح به فقال: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار لم تبطل فكذلك ما كان في معناه.
قال في النافع الكبير شرح الجامع الصغير (ص: ٩٢): لأن في البكاء من ذكر الجنة والنار زيادة الرغبة والرهبة، وفيه تعريض سؤال الجنة والتعوذ من النار، ولو صرح به، فقال: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار لم يضره فكذا ههنا».
(٢) الدر المختار شرح تنوير الأبصار (ص: ٨٥).
قال ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار (١/ ٦١٩): «(قوله: يحصل به حروف) كذا في الفتح والنهاية والسراج. قال في النهر: أما خروج الدمع بلا صوت أو صوت لا حرف معه فغير مفسد».
وقال في فتح القدير (١/ ٣٩٧): «قوله: (فارتفع بكاؤه) أي: حصل به الحروف».

<<  <  ج: ص:  >  >>