بمسألة البحث، وهو مخاطبة الآدمي بما هو مشروع في الصلاة من الذكر، فلا وجه للتفريق بين الجواب بالذكر وبين الجواب بالتلاوة، فإذا صح الجواب بالذكر في أي موضع من مواضع الصلاة، صح الجواب بالقرآن كذلك، فاشتراط المالكية لصحة الجواب بالتلاوة أن توافق التلاوة محلها بخلاف الذكر ففي أي موضع لم يظهر لي قوة القول، فسواء وافقت التلاوة محلها، أو تخير المصلي من القرآن ما يناسب التنبيه، فكله لا يبطل الصلاة إذا قصد بالقراءة التلاوة والجواب، ومن باب أولى إذا قصد التلاوة فقط، والله أعلم.
وإذا قصد بهما الجواب فقط فقد يقال: إن مثل هذا يبطل الصلاة؛ لأنه نوى بهذا اللفظ مخاطبة الآدمي، ومخاطبة الآدمي محرمة.
وقياسًا على الجنب إذا قال: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، أو قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، ولم يقصد التلاوة، فإنه لا يحرم عليه ذلك؛ لكونه من كلام الناس، فكان شرط الصحة أن يقصد التلاوة والثناء، أو يقصد أحدهما مع الجواب.
وقد يقال: إن النبي ﷺ عندما قال في حق المصلي: (من نابه شيء فليسبح)، فإن الإذن بالتسبيح عام، ولم يبين النبي ﷺ بأن هذا التسبيح لا يصح إلا أن يقصد به مع التنبيه الثناء، والعام جار على عمومه لا يخصصه إلا نص مثله أو إجماع، فقول:(سبحان الله)، هذه الصيغة وُضِعَتْ للذكر، وكذلك القرآن في الصلاة شرع للتلاوة، فلما أجاب المصلي بالقرآن أو بالذكر وتجنب الإجابة المباشرة، علم أنه لا يريد مخاطبة الآدمي بما هو من كلام الناس.
ولهذا كانت قراءة القرآن والأذكار لا يشترط للتعبد بها النية؛ لأنها لا تقع إلا عبادة، والنية إنما شرعت لتميز العبادات بعضها عن بعض، ولتمييز العبادة عن العادة، والتلاوة والأذكار لا تقع إلا عبادة، فإذا سبح، أو قرأ شيئًا من القرآن بقصد الجواب، ولو لم يخطر على باله أنه قصد التلاوة والثناء، صح له ذلك، وصحت صلاته.