الثاني: أن الحكم ببطلان الصلاة بمجرد مرور المرأة والحمار والكلب الأسود ذهاب إلى أن الحكم تعبدي؛ لأنه لا يعقل سبب في بطلان الصلاة مع القيام بشروطها وأركانها وواجباتها، والنص قد قضى بأن الحكم معلل في الكلب قطعًا، للنص عليه، وذلك يقتضي التعليل في الحمار والمرأة كذلك.
الثالث: إذا كانت العلة في الكلب الشيطنة والأذى، فالظاهر أن المرأة والحمار كذلك؛ لأن تساويهم في الحكم يقتضي تساويهم في العلة إلا أن يمنع من ذلك مانع.
وإذا سلمنا أن علة قطع الصلاة بالكلب شيطنته وأذاه، فذلك قرينة بأن المراد من القطع إفساد الصلاة بالأذى؛ لأن الشيطنة صفة متعدية، فإن تعدت إلى المصلِّي بأن حصل منه عدوان قطع ذلك صلاته، وإلا بقيت الصلاة على الصحة.
الرابع: أن القواعد لا تقضي الحكم ببطلان العبادة بترك واجب لها، حتى يترك واجبًا فيها، فإذا كان ترك ما يجب للصلاة ولو كان مختصًّا بها، كالأذان والجماعة لا يبطلها، فكيف تبطل بمجرد مرور الكلب والمرأة والحمار.
الخامس: أن المنع من المرور يشترك فيه الإنسان والدواب، ولكن اختص الكلب الأسود بالقطع لشيطنته وأذاه، فإذا لم يؤذ تخلف الحكم لتخلف الوصف، وصار مروره كغيره من الكلاب والدواب منهيًّا عنه، ويدفع، ولكن لا تبطل الصلاة بمجرده، ويقال مثله في الحمار.
السادس: المرأة والرجل يمنعان من المرور، فإذا أصر الرجل وأبى إلا المرور دفع بشدة واستحق وصف الشيطان؛ لتمرده وأذيته، ومثله المرأة إذا أصرت إلا المرور بين المصلي وسترته، فهي شيطان، وتزيد المرأة بأن المصلي قد يفتتن بها عن صلاته، حتى تفسد عليه صلاته فاختصت بقطع الصلاة عن الرجل، فإذا لم يفتتن العبد بها لم تفسد عليه صلاته، وكان مرورها كمرور الرجل، تأثم بذلك، والصلاة لا تفسد بمجرده، والله أعلم.