للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

إذا كان يعلم بفساد صلاة إمامه، كان كذلك في النظر إذا كان لا يعلم بها.

ألا ترى أن المأموم لو صلى، وهو جنب، وهو يعلم، أو لا يعلم، كانت صلاته باطلة. فكان ما يفسد صلاته في حال علمه به، هو الذي يفسد صلاته في حال جهله به، وكان علمه بفساد صلاة إمامه تفسد به صلاته. فالنظر على ذلك أن يكون كذلك جهله بفساد صلاة إمامه، فهذا هو النظر» (١).

• ويناقش:

بأن هناك فرقًا بين جهل المصلي بحدث إمامه، وبين جهله بحدث نفسه، فالأول لا يكلف المأموم معرفته؛ لأن الأصل في المسلم أنه لا يصلي إلا متطهرًا، وأما حدث نفسه فإذا صلى جاهلًا به لم تصح صلاته إذا علم؛ لأنه منسوب فيه إلى التفريط، وقياس أحدهما على الآخر قياس مع الفارق.

وفرق آخر هو في حكم الاقتداء، فإذا حرم الاقتداء على المأموم بطلت صلاته، وإذا أمر بالاقتداء لم تبطل، فإذا علم المأموم بحدث إمامه، حرم عليه الاقتداء به إجماعًا؛ لأن الإمام نفسه لا تجوز منه الصلاة، فإذا خالف المأموم بطلت صلاته، وإذا كان لا يعلم بحدث إمامه كان مأمورًا شرعًا بالاقتداء به، فإن علم المأموم أثناء الصلاة خرج عن إمامته، إما باستخلاف غيره، أو بالإتمام منفردًا وبنى على ما صلى، وإذا لم يعلم إلا بعد الفراغ منها فقد صحت صلاته.

لأن كل من امتثل الأمر الشرعي حسب ما أُمِر فصلاته على الصحة، ومن أراد أن يبطل صلاة المأموم، وقد فعل ما يجب عليه فعليه الدليل، والأصل الصحة. والحنفية لم يطردوا، فإن الإمام إذا سبقه الحدث في الصلاة بطلت طهارته، وبطلانها يفسد صلاته؛ لانتقاض شرطها، ومع ذلك قالوا: للمأموم أن يبني على ما صلى.

قال ابن المنذر: «والنظر مع ذلك دال على ذلك -يعني: على صحة صلاة المأموم-؛ لأن القوم لما صلوا كما أمروا، وأدوا فرضهم، ثم اختلف في وجوب الإعادة عليهم، لم يجز أن يلزموا إعادة ما صلوا على ظاهر ما أمروا به بغير حجة» (٢).


(١) شرح معاني الآثار (١/ ٤١١).
(٢) الأوسط لابن المنذر (٤/ ٢١٤، ٢١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>