لو لم يصح النهي عن علو الإمام لكانت صلاة النبي ﷺ على المنبر دليل على الجواز المطلق، سواء أفعل هذا لداع الحاجة أم لا.
أمَّا وقد صح النهي عن علو الإمام على المأموم، فلا يمكن القول بأن الفعل دالًا على الجواز، ولا يصح أن يكون فِعْلُ النبي ﷺ معارضًا لقوله، فالقول أقوى من الفعل، خاصة أن النبي ﷺ صلَّى على المنبر مرة واحدة، وصرح أنه فعل هذا من أجل مصلحة التعليم، لا من أجل بيان الجواز المطلق.
نعم يستفاد من فعل النبي ﷺ أن النهي في السنة القولية ليس للتحريم، ولكن لا يمكن أن يعارض القول العام للأمة بالفعل الذي دعت له الحاجة إلى التعليم مرة واحدة، فالقول أصرح؛ لأن فعل النبي ﷺ يدخله عدة احتمالات: فيحتمل في غير مسألة الباب: أن النبي ﷺ فعل ذلك لبيان أن النهي ليس للتحريم، ويحتمل أن هذا الفعل خاص به ﵊ والقول عام للأمة، ويحتمل أنه فعل ذلك نسيانًا أو لحاجة. فالفعل لا يقوى على معارضة القول، والله أعلم.
الوجه الثاني:
بعضهم يرى أنه لا يصح الاستدلال بصلاة النبي ﷺ على المنبر، فالنهي عن علو الإمام على المأموم محمول فيما إذا كان العلو كبيرًا، وصلاة النبي ﷺ على المنبر في درجه الأسفل فالعلو يسير، فلا يكون معارضًا للنهي.
• ورد هذا:
بأن القول بأن صلاة النبي ﷺ على الدرج الأسفل ليس ظاهرًا من الحديث، ولو صلى فيه لم يتبين الإمام للناس؛ ليتعلموا الناس منه، فإن الصف الأول يحجب أكثر قامة النبي ﷺ، ولهذا قال ابن دقيق العيد: الصلاة كانت على العليا (١).
الوجه الثالث:
أن الرواية عن الإمام أحمد بالجواز حكاها ابن قدامة في المغني، فلا وجه