للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أحدهما، كأن يتنازعا دارًا بيدهما معًا، ولا دليل لأحدهما، وحلف كل منهما أنها جميعها له ليس لصاحبه منها شيء.

فالصورة الأولى لا نزاع أن القرعة إذا استعملت فيها فهي قمار، وكذلك الصورة الثانية.

الصورة الثالثة: أن يختص الحق بأحدهما بعينه، ويتعذر تعيينه، كمن طلق بائنًا إحدى امرأتيه، وتعذر تعيينها، فاستعمال القرعة في مثل هذه الصورة فيها نظر، وقد قال بعض الأئمة بصحة القرعة فيها.

الصورة الرابعة: أن يكون الحق في الأصل ثابتًا لكل منهما، لكن اقتضى الدليل أن يخص به أحدهما لا بعينه.

فهذا هو مورد القرعة، والفرق بينه وبين الصور السابقة بغاية الوضوح، فإنه إذا اقتضى الدليل أن يخص به أحدهما لا بعينه، فما بقي إلا طلب طريق للتعيين، لا ميل فيه، ولا حيف، فإذا ظفرنا بطريق كذلك لم يكن فيه إبطال حق ثابت، ولا إثبات حق باطل، فما هو هذا الطريق؟ من كانت له امرأتان، واحتاج إلى السفر، واستصحاب إحداهما فقط، فقد ثبت بالدليل باعتراف أبي حنيفة أن له ذلك، وبقي التعيين، ومن مات عن ابنين، فقسم القاضي المال نصفين، فقد ثبت الدليل باعتراف أبي حنيفة أنه ينبغي تخصيص أحدهما بأحد النصفين، والآخر بالآخر، وبقي التعيين، فأبو حنيفة يقول: يعين الزوج والقاضي، ومخالفوه يقولون: الزوج والقاضي منهيان عن الميل وعن كل ما يظهر منه الميل، ولا ريب أن تعيينهما برأيهما ميل، أو يظهر منه الميل والأصل في ذلك التحريم، فإباحته لهما مخالف للأصول والقياس، وفتح لباب الهوى، ومنافٍ للحكمة، وإذا عين الزوج برأيه إحدى امرأتيه ظنت الأخرى أنه إنما عينها ميلًا إلى هواه، فأحزنها ذلك، وأدى ذلك إلى مفاسد، وإذا عين القاضي أحد النصفين لزيد، وكان بكر يريده ظن بكر أن القاضي إنما مال مع هواه، وساءت ظنون الناس بالقاضي، وجر ذلك إلى مفاسد، فلا مخلص إلا بالقول بالقرعة (١).


(١) انظر تأنيب التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (٢/ ٩٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>