للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أبي وقاص (١).

فهذا واضح أن أحمد لا يرى أن يؤذنا واحدًا بعد آخر.

ومنهم من ذهب إلى التحاكم إلى القرعة إذا لم يمكن أن يترتبوا في الأذان واحدًا بعد آخر، إما بسبب كثرتهم فلا يستوعبهم الوقت لو ترتبوا، أو لضيق المسجد بحيث لو أذنوا جميعًا أدى ذلك إلى تشويش بعضهم على بعض، أو كان يمكنهم أن يترتبوا، ولكن تنازعوا في الأول، فهذه الحالات يصار فيها إلى القرعة.

أما إذا أمكن أن يترتبوا، ولم يتنازعوا في الأول، فلا حاجة إلى القرعة، وكذلك لو كان المسجد كبيرًا، وأذن كل واحد منهم بناحية لم يذهبوا إلى القرعة، وكذلك لو كان المسجد صغيرًا، فأذنوا جميعًا، ولم يُؤَدِّ ذلك إلى تشويش بعضهم على بعض، فلا يصار إلى القرعة، هذا ملخص مذهب الشافعية (٢)، ومذهب المالكية قريب منه، وبه قال ابن حزم إلا أنه منع أن يؤذنوا معًا (٣).

والقرعة عند المالكية لا تُتَصَوَّرُ إلا في موضعين:

الأول: في أذان المغرب؛ فليس له عندهم إلا مؤذن واحد؛ لأنه ليس له إلا وقت واحد، ووقت المغرب وامتداده إلى غياب الشفق موضع نزاع بين الفقهاء.

الموضع الثاني: إذا أمكن ترتيبهم، وتنازعوا في المؤذن الأول، ويسمونه (أمين الوقت) يعني الذي يعتمد عليه في دخول الوقت، والإمساك والصيام، فإذا تعين بالقرعة عند التزاحم كان أحق من غيره، بحيث يكون أول المؤذنين، ثم بعد ذلك يؤذن من يشاء بلا حَجْرٍ.

قال ابن حبيب: «رأيت في المدينة ثلاثة عشر مؤذنًا، وكذلك بمكة يؤذنون معًا في أركان المسجد، كل واحد لا يقتدي بأذان صاحبه، فأما المسجد الكبير فيجوز أن يؤذن في كل ناحية رجل يُسْمِعُ من يليه؛ لأن كل جماعة يحتاجون للإعلام، وأما


(١) مسائل أحمد رواية أبي داود (ص: ٤٣)، القواعد لابن رجب (ص: ٣٤٩).
(٢) المجموع (٣/ ٨٠)، فتح العزيز (٣/ ٢٠٠)، طرح التثريب (٢/ ٢١٢)، شرح النووي على صحيح مسلم (٤/ ١٥٨)، التوضيح شرح الجامع الصحيح لابن الملقن (٦/ ٣٤٢)، المهذب (١/ ١٠٧)، البيان للعمراني (٢/ ٦٩)، أسنى المطالب (١/ ١٣٢).
(٣) عقد الجواهر الثمينة (١/ ٩٢)، المهذب (١/ ١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>