قوله: (في غير حالة القيام) يشمل الركوع والسجود، والجلوس. وقد نص الحنفية على كراهة قراءة القرآن في حالين: إحداهما: أن يقرأ قائمًا، ثم يتمها راكعًا، فهذه قد صرحوا أن الكراهة فيها تنزيهية. الثانية: القراءة في غير حالة القيام كما لو قرأ في حالة الركوع والسجود، والجلوس، فهذه قد نص الحنفية في كتبهم على أن حكمها الكراهة، والسؤال: أتحمل الكراهة على التحريمية بناء على أصول الحنفية، واصطلاحهم في ذلك: بأن المنهي عنه بدليل قطعي يعبر عنه بالتحريم، وهو في مقابل ترك الفرض. والمنهي عنه بدليل ظني يعبر عنه بالكراهة، وهي كراهة تحريمية إلا لصارف، وهو في مقابل ترك الواجب، ولا يقصدون بالكراهة الكراهة التنزيهية، إلا أن يكون هناك قرينة تفيد أن النهي لا يمنع من الفعل فيحمل على التنزيهية. لم أجد في كتب الحنفية نصًّا صريحًا يبين لي نوع الكراهة، في هذه المسألة، وهي أشد من مسألة أن يقرأ القرآن قائمًا فيركع قبل إتمامها فيتمها راكعًا، لأن ذلك يصدق على قراءة كلمة أوكلمتين من الآية بخلاف قصد القراءة في حال الركوع والسجود. فيحتمل أن الكراهة للتحريم حيث أوجب الحنفية في أحد القولين السهو على من قرأ القرآن في ركوعه أو في سجوده، والسبب الموجب للسهو عند الحنفية هوترك الواجب انظر: تبيين الحقائق مع حاشية الشلبي (١/ ١٩٣)، تبيين الحقائق (١/ ١٧٣). وهو ما يفهم من كلام ابن نجيم في البحر الرائق حيث أوجب تكبيرة الإحرام بلفظ (الله أكبر)؛ لثبوته بالسنة، ومواظبة النبي ﷺ عليه، قال: كما قلنا: في قراءة القرآن مع الفاتحة، وفي قراءة القرآن في الركوع والسجود. انظر البحر الرائق (١/ ٣٢٣). ويحتمل أن الكراهة على ظاهرها، كراهة تنزيهية على القول بأنه لا يجب على من قرأ القرآن في ركوعه أو في سجوده سجود السهو؛ وهو أحد القولين في مذهب الحنفية، وقد علل الزيلعي سقوط السهو: بأنه ثناء، وهذه الأركان موضع للثناء. انظر بدائع الصنائع (١/ ١٦٧). انظر مصطلح الحنفية في الكراهة: في البحر الرائق (١/ ٢٦٢)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: ٣٤٣). وانظر قول الحنفية في مسألة البحث في: فتح القدير (١/ ٣٣٢)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (١/ ١١٠)، بدائع الصنائع (١/ ٢١٨)، حاشية ابن عابدين (١/ ٦٥٤، ٤٧٣، ٥٢٣)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: ٢٨٢، ٣٥١)، مراقي الفلاح (ص: ١٠٦، ١٢٨)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (١/ ١١٥)، البحر الرائق (١/ ٣٢٣). ونص المالكية على كراهة قراءة القرآن في الركوع والسجود والتشهد، انظر: مختصر خليل (ص: ٣٣)، التاج والإكليل (٢/ ٢٥٨)، مواهب الجليل (١/ ٥٤٨)، الخرشي (١/ ٢٩١)، حاشية الدسوقي (١/ ٢٥٣)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (١/ ٣٣٩)، منح الجليل (١/ ٢٦٩)، شرح الزرقاني على خليل (١/ ٣٨٦)، تحبير المختصر (١/ ٣١٤)، جواهر الدرر (٢/ ١٥٦). وكره الشافعية قراءة القرآن في الركوع والسجود وفي سائر أفعال الصلاة غير القيام، انظر: أسنى المطالب (١/ ١٥٧)، تحفة المحتاج (٢/ ٦١)، المجموع (٣/ ٤١٤)، نهاية المحتاج (١/ ٥٠٠)، مغني المحتاج (١/ ٣٦٦)، فتح العزيز (٣/ ٣٩٩)، روضة الطالبين (١/ ٢٥١)، وانظر في مذهب الحنابلة: المغني (١/ ٣٦٢)، الإقناع (١/ ١٢٠)، كشاف القناع (١/ ٣٤٨)، التعليقة الكبرى للقاضي أبي يعلى (١/ ٥٠٣).