للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

رواية وضع الأصبعين في الأذنين والدوران، فإذا كانت إمامة سفيان لا تمنع من الحكم عليه بشذوذ هذين الحرفين لم تمنع من الحكم عليه بشذوذ الحرف الثالث، وإن كان الحمل في هذه الزيادتين على الرواة عنه، والله أعلم.

ثانيًا: أن الالتفات لا يحفظ فيه سنة قولية يأمر به النبي بلالًا، أو يأمر أبا محذورة، أو سعدًا القرظ بأن يلتفت في أذانه، وقد نُقِل لنا التفاتُ بلال في واقعة واحدة في حديث أبي جحيفة من طريق سفيان وحده، وكان مجرد فعل من بلال، وكان ذلك في حجة الوداع، والناس متكاثرون عن يمينه وشماله، وقد لا ينفذ صوت بلال إلى أقصاهم، أيكون التفاتُ بلالٍ اجتهادًا منه بقصد إسماع الناس، وكان تقرير الله له مؤذنًا بالجواز، ولا يبلغ به الاستحباب حيث لم يُحْفَظ سنةٌ قوليةٌ تأمر بلالًا، أو تأمر غيره من المؤذنين بذلك، ويكون جوازه عند الحاجة إلى الإسماع، ويتأكد ذلك أن أهل المدينة زمن الإمام مالك لا يعرفون الالتفات، وأنكر الإمام مالك أن يكون الالتفات من سنة الأذان؟ أم أن هذا الالتفات هو جزء مما أضيف إلى صفة الأذان، كما أضيف التثويب، وإن لم يكن في رؤيا عبد الله بن زيد، ولا في تعليم النبي الأذان لأبي محذورة؟.

الأمر محتمل، وإن كنت أميل للأول، وأن الالتفات لو كان في صفة الأذان لَعَلَّمه النبي أبا محذورة، خاصة أن تعليمه لأبي محذورة كان بعد فتح مكة، واستقرار تشريع الأذان، فكون هذه الصفة لم تنقل لنا إلا في السنة العاشرة في حجة الوداع، وفي واقعة واحدة، فلو كانت صفة ملازمة للأذان، لنقلت قبل ذلك، ولتكرر نقلها، والله أعلم.

ثالثًا: أن هذا الالتفات لم يكن معروفًا عند مؤذني أهل المدينة في عصر التابعين، والعهد قريب، فلو كانت من صفات الأذان المستحبة لنقلها التابعون من أهل المدينة عن الصحابة.

هذا ما أمكنني قوله في هذه المسألة، وأعتذر من بعض التكرار في عرض المسألة، لكون البحث قد يخالف قول الجمهور، ويخالف الجانب العملي المشهور، ومثل هذا قد يشكل عبئًا نفسيًّا على الباحث عند تبني مخالفته،

<<  <  ج: ص:  >  >>