ويظهر أنه يلزم من مذهب مالك إعلال ما تفرد به سفيان من الالتفات في الأذان.
فإن قيل: هل يوجد أحد من المتقدمين أعل زيادة الالتفات في الأذان؟
فالجواب: وهل سكوت أئمة الجرح والتعديل من المتقدمين يعد منهم تصريحًا في الحكم بحفظها، فلو وجد نقل عن تتابع الأئمة المتقدمين على قبولها لم يخالفهم أحد من المتأخرين، والإمام البخاري لم يجزم بالترجمة، فقال في صحيحه: هل يلتفت في الأذان، ولم يذكر موضع الالتفات، وانفرد وكيع عن سفيان بذكر موضع الالتفات، وقد اضطرب وكيع في ألفاظ الحديث، فنطبق قواعد الأئمة المتقدمين على هذه الزيادة والله أعلم.
الدليل الثاني:
الأصل في التوجه إلى القبلة أنه أكمل من الالتفات والدوران عنها، فإذا لم يكن في الالتفات والدوران عن القبلة مصلحة أرجح من استقبالها لم يلتفت ولم يُسْتَدَرْ، ولهذا قيدنا جواز الالتفات والدوران أن يكون بقصد الإسماع؛ لأن الناس هم المقصودون بالأذان.
الدليل الثالث:
إذا كان الالتفات يضر بالإعلام كما في مكبر الصوت لم يشرع؛ لأنه ينقص الصوت، وهو مقصود في الأذان، وإذا كان الالتفات لا يزيد في الإعلام لا يفعل؛ لأن الانصراف عن القبلة بلا حاجة نزعة ظاهرية في فعل معلل.
الدليل الرابع:
الفعل منه ما هو مقصود لذاته، وهذا يفعل مطلقًا، ومنه ما هو وسيلة لغيره، فهذا يفعل ما دام يتوصل به إلى ذلك الغير، ومنه الالتفات عن القبلة بقصد الإسماع، فإذا كان يضر بالإسماع لم يَعُد وسيلة مشروعة، بل عاد بالضرر على مقصود الشارع من الأذان، وهو الإعلام، ودعك ممن يقول: يلتفت، ولو أضر بالإسماع محافظةً على السنة، فإن هؤلاء ليس عندهم إلا الجانب العاطفي، وهم خلو من النظر الفقهي، والمقصد الشرعي.