للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

• دليل المالكية على أن الالتفات مباح:

الدليل الأول:

أنكر مالك الالتفات وقال: لا يُعْرَف هذا الذي يقول الناس يلتفت يمينًا وشمالًا، وكان مالك ينكره إنكارًا شديدًا، ويراه من الخطأ، وقال: إنه ليس من حد الأذان، إلا إذا كان من أجل أن يسمع (١).

فقول الإمام مالك: (لا يُعْرَف) هذا النفي ظاهره أنه لا يعرف من عمل الناس، ويحتمل أنه لا يعرف من جهة الأثر، وإن كان الأول أقرب؛ لأن مستند مالك في جمل الأذان وصفته على ما كان عليه العمل في وقته، قال مالك: ما أدري ما أذان يوم ولا ليلة، هذا مسجد رسول الله يؤذن فيه من عهده إلى اليوم لم يحفظ عن أحد إنكار لهذا الأذان، ولا نسبته إلى التغيير.

قال الباجي معلقًا: وهذا لعمري من أقوى الأدلة، ومما لا يعارض بأخبار الآحاد؛ لأن الأذان في مسجد رسول الله أمر متصل في وقت كل صلاة» (٢).

ولو حاول أحد أن يغير، أو يبدل، أو يضيف، أو ينقص لجرى إنكار ذلك عليه، من بعضهم، ولا يظن بجميعهم السكوت على عمل غير مشروع.

ولأن كل مسألة طريقها النقل كالأذان والإقامة والصاع والمد ونحوها من الأمور المحسوسة المعول فيه على ما نقله أهل المدينة عن التابعين؛ لأن ما نقل نقلًا مستفيضًا أو متواترًا أولى مما نقل آحادًا، والله أعلم (٣).

ومن أصول مالك تقديم العمل على ظاهر الأثر؛ لأن الثاني قد يتعرض للسهو


= سفيان. أيحتمل تفرد سفيان بذكر الالتفات لإمامته وحفظه أم يقال: إن هذا التفرد يجعل الالتفات شاذًا؟ الأمر محتمل، وإن ذهبنا إلى أن الالتفات محفوظ، فإن موضع الالتفات ليس محفوظًا لإعراض البخاري عن تخريجه، ولتفرد وكيع بذكره مع الاختلاف عليه، فإن أكثر الرواة عن وكيع لم يذكروا موضع الالتفات وعلى رأسهم الإمام أحمد وابن أبي شيبة غيرهما، والله أعلم.

(١) انظر المدونة (١/ ٥٨).
(٢) إحكام الفصول (١/ ٤٩٠)، وانظر البيان والتحصيل (١٧/ ٣٣١).
(٣) انظر المنتقى للباجي (١/ ١٣٤)، شرح البخاري لابن بطال (٢/ ٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>