عبد البر: إجماع المسلمين على أن النافلة لا أذان لها ما دل ذلك على أن أذان بلال بالليل إنما كان لصلاة الصبح (١).
الاحتمال الثاني: أن يكون الأذان للسحور، وهذا أبعد؛ لأن السحور ليس بصلاة، حتى يمكن الإشعار به بقول المؤذن (حي على الصلاة حي على الفلاح) ولو احتاج السحور إلى تذكير لم يكن بصورة الأذان المفروض للصلوات الخمس، فهذه صلاة الكسوف التي يشرع لها الجماعة، ويدعى الناس للاجتماع إليها، ويقع الكسوف فجأة، والناس في غفلة لم يُنَادَ لها بالأذان المعهود، مع أنها من جملة الصلوات، فكيف بالسحور، والذي هو ليس بصلاةٍ أصلًا؟
الاحتمال الثالث: أن يكون الأذان الأول من أجل صلاة الفجر، ولكن ليس لفعلها، وإنما للتأهب لفعلها، وهذا ظاهر من قول المؤذن ودعوته للناس (حي على الصلاة حي على الفلاح)، فإن هذا النداء لم يناد به قط إلا للصلوات الخمس، ومنها الجمعة، فكيف يدعو المؤذن الناس بقوله: حي على الصلاة ثم يقال: إن الأذان ليس للصلاة. فإن قيل: وكيف يدعو الناس إلى الصلاة ولم يدخل وقتها بعد؟
قيل: لما كان الصبح يغشى الناس، وكثير منهم في حال النوم، فلو لم يؤذن للفجر إلا بعد طلوع الفجر لما تمكنوا من الوضوء، والغسل، والاجتماع في المسجد إلا بعد الإسفار كثيرًا، والناس فيهم السريع والبطيء، ومن سنة الفجر التغليس بها، فاقتضى ذلك أن يكون للصبح إعلامان: أذان بقرب الفجر، وفيه دعوة للتأهب للصلاة، وآخر للاجتماع لفعلها حتى إذا أذن الصبح كان بإمكانهم المبادرة للصلاة، وصلاتها في وقت الغلس كما هي السنة في وقت صلاتها، كما شرع الأذان الأول للجمعة لما كثر الناس، واتسعت المدينة، واحتاجوا للتذكير للرجوع من الأسواق والاستعداد للصلاة، فإذا علم ذلك، كان معنى قوله ﷺ:(ليرجع قائمكم، ولينتبه نائمكم) فالرجوع والانتباه من أجل التأهب لصلاة الصبح.
ويبقى الخلاف بين الجمهور، هل يجزئ هذا الأذان عن الأذان الثاني؟
والذي يظهر أنه لا يغني عن الثاني، ولم يصح قط حديث عن النبي ﷺ أنه كان يقتصر على الأذان الذي يقع قبل الوقت، وسيأتي بحث المسألة إن شاء الله تعالى