ولأن النية: عزم على الفعل، ورفض النية عزم على الترك، وقصد الفعل وتركه متضادان، فكان الرفض مبطلًا للعبادة.
• وأما الدليل على أن العبادة إذا فرغ منها لا يمكن إبطالها بقطع النية:
فلأن العلماء مُجْمِعُون على أن المكلف إذا قام بالعمل على الوجه المأمور به شرعًا حتى فرغ منه فقد سقط عنه التكليف بفعله.
قال ابن راشد المالكي:«فمن ادعى أن التكليف يرجع مرة أخرى بعد سقوطه لأجل الرفض فعليه الدليل»(١).
وهذا من أقوى الأدلة، والله أعلم.
ولأن النية ينتهي التكليف بها إذا أدى العبادة، وهو مستصحب لحكمها، وإذا فرغ من العبادة فقد فرغ من نيتها، فلا يتصور إبطال النية بالقطع، وهو ليس متلبسًا بها. وهذا الراجح، والله أعلم.
وبهذه المسائل أكون قد انتهيت من بحث أثر قطع النية على بطلان العبادة، على الإيمان والطهارة، والصلاة، والصيام والحج، ولله الحمد وحده على توفيقه وإعانته، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
* * *
(١) انظر مواهب الجليل (١/ ٢٤١)، وابن راشد هذا غير ابن رشد، ولشهرة الثاني عند الباحثين يغلطون في اسميهما، فينسبون القول إلى ابن رشد، وليس كذلك.