بأن هذا السبب كان قائمًا وقت التشريع، ولم يكن حادثًا في عصرنا، ولم يَأْتِ تفريق في ثيابهم بين ما يلي عوراتهم، وبين غيرها، ولا بين ما نسجوه وبين ما لبسوه، ولو كان هناك فرق لجاء النص بهذا، وما كان ربك نسيًّا، فيبقى الحكم في ثيابهم على أصل الطهارة.
• ورد هذا النقاش:
لا نسلم أنه لم يَأْتِ أمر بغسلها، فقد جاء الأمر بغسل الأواني إذا لم نجد غيرها، والثياب مقيسة عليها.
• ورد على هذا الرد:
بأن الأمر بغسلها قد حمل على الاستحباب جمعًا بين النصوص، لأنه لا سبيل إلى الترجيح بين النصوص المتعارضة إذا أمكن الجمع بلا تكلف.
الدليل الثاني:
غسل ثياب الكفار قبل استعمالها مبني على تعارض الأصل والظاهر، فالإباحة ترجيح للأصل، وهو الطهارة، والكراهة ترجيح للظاهر؛ لعدم توقيهم النجاسة، فإذا قوي الظاهر قدم على الأصل، خاصة في حق ما يلي عوراتهم من الثياب.
• ونوقش هذا:
القول بنجاستها من باب تقديم الظاهر على الأصل، هذا السبيل يكون طريقًا للفقيه إذا لم يجد في المسألة نصوصًا يتحاكم إليها، ويتعارض الأصل الشرعي بالظاهر المشاهد من حال القوم وعملهم، فهل يقدم الأصل الشرعي القاضي بأن الأصل في الأشياء الطهارة، ويحكم بطهارتها، أم يقدم الظاهر المشاهد والمحسوس من كونهم لا يتقون النجاسات، فيحكم بنجاستها.
والقاعدة في تعارض الأصل والظاهر هو تقديم الأقوى منهما وليس هناك قاعدة مطردة (١).
(١) قال ابن رجب في القواعد (ص: ٣٣٨): «إذا تعارض الأصل والظاهر، فإن كان الظاهر حجة يجب قبولها شرعًا كالشهادة، والرواية، والإخبار فهو مقدم على الأصل بغير خلاف، وإن لم يكن كذلك بل كان مستنده العرف، أو العادة الغالبة، أو القرائن، أو غلبة الظن ونحو ذلك، فتارة يعمل بالأصل، ولا يلتفت إلى الظاهر، وتارة يعمل بالظاهر ولا يلتفت إلى الأصل، وتارة يخرج في المسألة خلاف … ».