للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بحيض، وإنما هو دم عرق، ولم يطلب منها الرسول فعل الصلوات التي تركتها.

ومنها صلاة عمار حين أجنب، حيث تمرغ كما تتمرغ الدابة، ومع أنه لم يأتِ بالصفة المشروعة في التيمم، فصلى، وحدثه لم يرتفع، ومع ذلك لم يطلب منه الرسول القضاء.

وقد كان عمر مع عمار، ولم يوافق عمارًا على اجتهاده، ولم يُصَلِّ ، ولم يأمر النبي عمر بالصلاة.

ومنها صاحب العقالين عندما أكل متوهمًا أنهما الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يؤمر بالقضاء.

ومنها لما أفطر الصحابة رضوان الله عليهم في يوم غيم ظنًّا منهم أن الشمس قد غربت، ثم طلعت الشمس.

وافتتح الصلاةَ أهلُ قباء إلى بيت المقدس بعد فرضية التوجه إلى الكعبة، وحين بلغهم النسخ، تحولوا إلى القبلة الجديدة، وبنوا على صلاتهم، ولم يبطلوها.

وكل هذه الأحاديث مخرجة في الصحيح، ولم ينقل أنهم قضوا.

فَقَصْر الحكم على هذه النصوص فقط نزعة ظاهرية، وتَحَكُّمٌ يأباه العقل والنقل، وتوهم أنهم ربما أمروا بالقضاء، ولم ينقل بعيد جدًّا؛ إذ لو أمروا لنقل إلينا؛ لأن الشريعة محفوظة بحفظ الشارع لها (١).

ولأن التكليف بحسب الوسع، وليس في وسع المكلف الامتثال قبل العلم، فلو ثبت حكم الخطاب في حقه كان في ذلك من الحرج ما لا يخفى.

الدليل الثالث:

حديث أبي هريرة في قصة الرجل الذي أمر بنيه إذا مات أن يحرَّق في النار، ثم يطحن، ثم يذرى في الريح، وفيه قال: فوالله لئن قدر عليَّ ربي ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا، فلما مات فُعِلَ به ذلك، فأمر الله به الأرض، فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلتْ، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك، فغفر له (٢).

قال ابن تيمية: «هذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك، أو


(١) انظر الموافقات (١/ ١٦٨).
(٢) البخاري (٣٤٨١)، ومسلم (٢٧٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>