للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الجزم بأن الأوثق هو الأصوب فبعيد، فقد أحاط الهدهد بما لم يحط به سليمان، وترك النبي -اجتهاده في منزل اختاره في الحرب لرأي أحد أصحابه.

الثاني: لو كان العامي مكلفًا باتباع الأوثق لوجدت محفوظًا عن السلف الإنكار على العامي إذا ترك النظر في أحوال العلماء عند الفتيا في الأحكام وفي القبلة، ولم ينقل أن أحدًا أنكر على العوام في كل عصر ترك النظر في أحوال العلماء، فمن تأهل للفتيا كان أهلًا للأخذ عنه، ولو وجد من يعارضه بالفتوى من هو أقوى منه.

ورجح ابن القيم في أعلام الموقعين فيما إذا اختلف على المقلد مفتيان أنه يجب عليه أن يتحرى ويبحث عن الراجح بحسبه (١).

ويمكن أن يعتبر هذا قولًا آخر غير قول الحنابلة؛ لأن التحري هنا غير التحري عند الحنابلة، فالتحري عند الحنابلة يعود إلى ذات المجتهد، بأن يختار الأوثق، في ظنه.

واختيار ابن القيم يتوجه فيه التحري إلى اختيار الأصوب، بغض النظر عن حال المجتهد، وهذا عسر جدًّا أن يطلب من العامي بأن ينظر في الأصوب من الأقوال في الأحكام، وأنت ترى أن مثل هذا قد لا يحسنه بعض طلبة العلم فما بالك بالعامِّيِّ.

وقيل: يصلي مرتين، حكاه بعض الشافعية (٢).

وهذا القول مبني على أن القبلة لا تخرج عن اجتهاد الرجلين، وحتى يصيب القبلة بيقين، يحتاج إلى أن يصلي مرتين، إلى قبلتين مختلفتين، وإذا كان المنزع هو إصابة القبلة بيقين، فإنه يلزمه أن يصلي إلى الجهات كلها؛ لأن اجتهاد الرجلين إنما هو ظن، وليس بيقين، فقد تكون القبلة في غير ما قاله المجتهدان.

وعلى التسليم فإن إحدى الصلاتين ليست إلى القبلة بيقين، فكيف يؤمر بها،


(١) قال ابن القيم في أعلام الموقعين (٤/ ٢٠٣): «إن اختلف عليه مفتيان فأكثر، فهل يأخذ بأغلظ الأقوال، أو بأخفها، أو يتخير، أو يأخذ بقول الأعلم أو الأورع، أو يعدل إلى مُفْتٍ آخر، فينظر من يوافق من الأولين فيعمل بالفتوى التي يوقع عليها، أو يجب عليه أن يتحرى ويبحث عن الراجح بحسبه؟ فيه سبعة مذاهب، أرجحها السابع؛ فيعمل كما يعمل عند اختلاف الطريقين أو الطبيبين أو المشيرين كما تقدم، وبالله التوفيق».
(٢) فتح العزيز (٣/ ٢٣٢)، المجموع (٣/ ٢٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>